تشرفت قريتي الطيبة ـ الكرك بالأمس بجلالة الملك وبرفقته ولي العهد وعدد من المسؤولين في زيارة ملكية كريمة. فهذه القرية التي قدمت عددا من رجالاتها شهداء في هية الكرك 1910 ،وقدمت ومازالت تقدم افواجا من المحاربين والشهداء والرجال الصادقين الأوفياء لوطنهم ولقيادتهم ،دفعت ضريبة موقعها الجغرافي الصعب ،ودفعت ثمن نخوة أهلها وكرمهم وأصالتهم. وكانت حزام الكرك ومنقع الدم وملجأ كل محتاج،ومازالت تدفع ثمن سياسات الاقصاء والتهميش التي مارستها القوى الاجتماعية المتنفذة عبر تاريخ الكرك الحديث، فتحالف السلطة والثروة في الكرك كان دائما يحاصر الأنقياء الأتقياء،ويهمش الشرفاء الأوفياء،وينتقص من فرصهم ويهضم حقوقهم في كل شيء. وساهمت معادلات الانتخابات النيابية المجحفة في توزيع الدوائر ورسم الخرائط في زيادة عزلة هذه القرية وأهلها . وفي اللحظة الوحيدة التي جرت فيها انتخابات تعددية وحرة عام 1989نالت مقعدا يتيما جرى الاطاحة بفرصة الحصول عليه مرة اخرى عبر القوانين والممارسات الانتخابية المشينة اللاحقة.
لم يقدم أبناء الكرك ممن تولوا أرفع المناصب وتقلدوا أهم المسؤوليات أي خدمة تذكر لأهالي هذه البلدة. ونظرا لحرمان أبنائها من الوصول إلى مواقع متقدمة في الدولة ،بسبب حسابات الاقطاع الاجتماعي ـ السياسي المتنفذة في الكرك وفي دواوين العاصمة ومفاصلها الهامة ، وقدرتها على توزيع "كوتة" الكرك من الوزارات والأعيان والسفارات والأمناء العامين والإدارات العليا وفقا لحساباتها التقليدية الرامية لترسيخ هيمنتها التاريخية على المشهد الكركي ،وضمان إحتكارها لكل موقع في الادارة والسياسة ،مع حرص دائم على تهميش الآخرين ومنعهم من التقدم .وهذا كله جعلنا مجرد أصوات في البرية .
الطيبة زارها الشهيد وصفي التل 1971 ،وترك بصماته الخيرة في بنيتها التحتية،وزارتها المغفور لها الملكة علياء 1978 بمناسبة تعرض البلدة لانزلاقات وانهيارات في شتاء ذاك العام ،وزارها رئيس الوزراء نادر الذهبي 2009 بتوجيه ملكي بعد وصول المحتجين على الواقع المرير من أبناء البلدة إلى مكتبه في الدوار الرابع بأعداد كبيرة . وقامت حكومته بتنفيذ جزء من التوجيهات الملكية السامية ،والتي تركت بصماتها على البلدة بإنشاء مبنى للجمعية الخيرية والقاعة العامة ونادي الشباب ،ومبنى للدفاع المدني ،وتحسين جزئي لبعض الخدمات ومنها المياه ،لكن جوهر الحل لمشكلة المياه المتمثل في إنشاء خط ناقل وخزان مياه جديد لم يتم إنجازهما بالشكل الذي تم اقراره في حينها ،مما سمح بتجدد المعاناة لأكثر من عشرة آلاف من أبناء البلده،وعادت الادارة المحلية لسابق عجزها وبيروقراطيتها وعقمها وترهلها ،وعجزت عن حل الاشكالات المتفاقمة،وتجدد وجع الأهالي وعلت أصواتهم مطالبين بحل جذري يلبي المكرمة الملكية عام 2009 ،لكن الادارة المحلية في المحافظة ووزارة المياه عجزت عن تلبية مطالب الأهالي،وجاءت الاستجابة كالعادة من لدن جلالة الملك حفظه الله .
فما أن تناهى إلى مسامع جلالته استغاثات أبناء شعبه في هذه النقطة القصية من الوطن ،حتى لبى النداء فور عودته من سفره للخارج. فالتقى ثلة من ابناء البلده ،واستمع لهمومهم ومطالبهم. هذا هو النهج الهاشمي ،و هذا هو الاسلوب الهاشمي في الحكم والقيادة والسياسة بالحب والرحمة والمودة والحس الانساني الرفيع،فلم يكن غريبا على ابن الحسين العظيم أن نجده في لهيب تموز وفي يوم الجمعة الأولى وفي اليوم الأول من شهر رمضان الخير مشمرا عن سواعد العزم و الخير الهاشمية ليمسح عذابات أهله وشعبه وعزوته وسنده الأوفياء . لم يكن مستغربا من سليل الدوحة الهاشمية نصرة عامة شعبه ووقوفه مع الفئات المستضعفة، وإحساسه بمشكلات المناطق النائية،ودفعه المسؤولين لتعفير أقدامهم بتراب القرى والأرياف والبوادي الأردنية ،وهم يتراكضون خلفه ومن حوله،وكان الأجدر بهم أن يكفوه مؤونة ذلك . جلالته بالأمس وجه المسؤولين لضرورة الخروج الى الميدان ،وتقديم الخدمة الحقيقية للمواطن ،والسهر على رعايته.
نحن سيدي في الطيبة وقرى الأردن وأريافه وبواديه ومدنه ومخيماته كلها نعرف أنكم آل البيت أنتم وحدكم الأقدر على سياسة شؤون البلاد والعباد،ونحن يا سيدي نشرف بزياراتكم التفقدية فهي تصيبنا بالخير وتحدث فرقا في حياتنا. ونقدر يا سيدي المعنى الكبير وأنت تمنحنا جزءا من وقتك الثمين في هذه اللحظة الوطنية والعربية والإقليمية المفصلية ،ونحن يا سيدي معك وبك ماضون لا تزيدنا الأحداث والتطورات من حولنا إلا تماسكا وتمسكا برايتكم الهاشمية الخفاقة على المدى بإذن الله. وكل عام وأنتم بخير .