قبل أن يصبحوا ( أبطالا ) كانوا يعيشون في الهامش ... يطوفون الشّوارع بطولها وعرضها , ويتحرّكون يمينا وشمالا دون أن يكون بين أيديهم ومن خلفهم قرار أو خيار ... بعضهم كان فاشلا في دراسته أو حتى في ( ثقافته ) العامّة , والبعض الآخر كان ( يسوّق ) نفسه للقيام بمهمات أكبر من حجمه , ومنهم من كان ( يترزّق ) من أعطيات المخدوعين ... كانوا ( لاشيء ) ثمّ صاروا بين ليلة وضحاها ( جبابرة ) يسيطرون على عدد من ( المحطات ) التي وصلوا إليها من بعد دون عناء .. ! .
وبالرغم ممّا يقوله البعض أنّ ( الحظوظ ) تذهب أحيانا إلى غير أهلها , إلاّ أنّ هؤلاء ( الأبطال ) لم يحقّقوا مثل هذه الإنتصارات ( العظيمة ) بأنفسهم أو بفضل إرادتهم أو جهدهم أو ( تميّزهم ) ... بل صنعتها وقدّمتها لهم على طبق من ذهب بعض الصّحف ( المترنّحة ) التي إنتشرت في الأردن بشكل غير ( معهود ) في مطلع عقد التسعينيّات من القرن الماضي بعد أن كانت تستثمرهم في بعض ( الأدوار ) التي تحتاج إلى قدرات عالية جدّا في فنّ التصفيق والتلفيق والتحليق , ولأنّهم يجيدون مثل هذه المهمّات والأدوار بإتقان فقد استطاعوا أن يقبضوا ( الثّمن ) الذي دفع بهم بسرعة إلى المقاعد الأماميّة فيما ظلّ ممّن ساهموا في صناعتهم يقبعون في المقاعد الخلفيّة كمتفرجين حتى الآن .
وليست تلك الصّحف ( الطّارئة ) وحدها هي التي صنعت وأنتجت مثل أولئك الأبطال ... بل ساهمت بعض الشركات الوهميّة التي ( تبنّت ) بعض الذين يجيدون لغة ( التّسويق ) وقلب ( الطّواقي ) , فجعلت منهم واجهات تستند إليها من الخلف , فيما تبقى الأهداف والغايات الحقيقيّة غير ( واضحة ) , فيحقّق الطرف الأوّل ( أرباحا ) طائلة , بينما يكتسب الطرف الآخر مزيدا من الإمتيازات ) التي تهيء له ( فرصا ) ثمينة جدّا .
ولأنّ المظاهر في هذا الزّمن الصّعب تخفي أحيانا بعض معالم الوجوه , وتطمس تشوّهات النفس , فإنّه من السهل جدّا أن يفوز كلّ من هم في الواجهة دائما دون النّظر إلى تفاصيل حياتهم وقدراتهم , ولذا فإنّ كلّ الذين ( أشعلت ) في رؤوسهم تلك الصّحف المترنّحة أو الشركات الوهميّة أو حتى الصالات والصالونات والدّواوين المأهولة بأصحاب الحاجات والغايات الهوس والغرور والرّقص في العتّمة واللّعب على ( الحبلين ) ... جميعهم ينطلقون وينتشرون كالجراد ( يقضمون ) الأخضر واليابس , ويتبؤون ( المقاعد ) بمختلف أشكالها وألوانها وأحجامها .
منذ حوالي عقدين من الزّمن تقريبا ( إستفرد ) عدد من ( الإستهوائيين ) الذين يفتقرون للدراية والخبرة في إدارة بعض المؤسّسات والشّركات ومواقع مهمّة في الدّولة , فمنهم من أصبح مديرا لشركة كبرى , ومنهم من أصبح مديرا عامّا لمؤسّسة إعلاميّة أو صحفيّة , ومنهم من أصبح مستشارا من الدرجة الأولى في مؤسّسة حكوميّة عامّة ... في حين ( قفز ) آخرون إلى ( مناصب ) لم يحلموا بها طيلة حياتهم , وتحوّلت بعد ذلك كل تلك المؤسّسات والمواقع إلى ( مقابر ) مفروشة يخيّم عليها الفشل والضّعف والفساد .
نخشى أن تبرز من جديد بعض الجهات أو الشركات التي تنتج ( أبطالا ) من كرتون , وتغرق حياتنا ومؤسّساتنا ( برؤوس ) غير صالحة للإستعمال , وتجعل من بعض ( الطّبالين ) أساتذة أو خبراء في السّياسة والإقتصاد أو حتّى في علم الإجتماع والجغرافيا... نخشى أن يتحوّل بعض الفاشلين إلى جالسين يديرون الرّحى بأهوائهم وأهوء غيرهم ,بينما نظلّ نخن وحدنا متفرجين !! .
adnan_rawashdh@yahoo.com