زاد الاردن الاخباري -
كتب ماهر ابو طير / الدستور ــ
اذا كان زعماء عرب اقروا مسبقا في حفل افتتاح القمة العربية الثانية والعشرين في "سرت" بكون المسافة هائلة بين ما تنتظره الشعوب ، وبين ما يقال ، وما يمكن فعله ، فان هذا الاعتراف يؤشر على حجم اقرار العرب بفشل مؤسسة جامعة الدول العربية.
ويقول مراقبون ان النظام الداخلي لجامعة الدول العربية وصلاحيات الجامعة ، ودورها هو احد ابرز المشاكل التي تواجه العمل العربي المشترك بالاضافة الى عدم جدية العرب في التعامل مع قرارات وتوصيات القمم العربية المتتالية ، ويؤكد هؤلاء ان الجانب الاحتفالي والبروتوكولي بات سمة اساسية للقمم العربية ، وليس ادل على ذلك من مطالبة امير قطر في حفل الافتتاح بتشكيل لجنة اتصال عربية لمتابعة قرارات القمم ، وهو تدوير للنتيجة التي وصل اليها القطريون بعد رئاستهم للقمة العربية ، لمدة عام وبما يحمل اعترافا واضحا بأن القمم مجرد سامر ينفض سريعا ، ويعود كل شيء الى حاله.
في هذا الصدد جاءت مناشدة الرئيس اليمني لتشكيل اتحاد عربي ضمن ظروف جديدة وموازنة وصلاحيات بمثابة اعتراف آخر بفشل مؤسسة جامعة الدول العربية. يقابل ذلك تلميحات الرئيس الليبي حول ما تنتظره الشعوب العربية من القمة ، واقرار موسى بأن فترة رئاسته لم تكن سهلة ، برغم بذله لجهود متواصلة وفقا لكلامه ، ثم نزوله باقتراح رابطة دول الجوار. مما يتضح ان جامعة الدول العربية قد لا تكون صيغة مناسبة للاستمرار الى ما لا نهاية ، خصوصا ، ان الجامعة التي تأسست منذ عشرات السنين تعاني من ترهل شديد وعجز سياسي ومالي ، ويعتقد مراقبون ان الجامعة العربية اليوم بالكاد تتحرك قبيل عقد القمم العربية ، وبالكاد تتمكن من ممارسة اي دور فاعل ، ويؤشر هؤلاء على ان الجامعة لم تبذل اي جهد حقيقي خلال القمة الاخيرة في سرت من اجل حث الدول العربية الغائبة على مستوى الزعماء من اجل المشاركة ، والواضح ان روح الاستسلام باتت تسيطر على مؤسسة جامعة الدول العربية ، لاعتبارات تتعلق ليس بعجز الامين العام ، وانما لعرقلة دول كثيرة لقدرة الجامعة على ممارسة دور حساس ومؤثر. المثير في هذا الصدد ان منظمة المؤتمر الاسلامي التي تضم في عضويتها ما يزيد عن 50 دولة اسلامية تعاني من ظروف صعبة ، تحت عنوان ان الامكانات يجب ان تخصص لجامعة الدول العربية بالاضافة الى حدود الدور - لمنع اطراف اقليمية من التسلل الى الدور في العالم العربي.. المفارقة ان كل المؤسسات تحولت الى مؤسسات ضعيفة ، وما زالت اي مشاريع تحظى بعرقلة كبيرة ، فمن التكتلات الجغرافية مثل الاتحاد المغاربي ، الى اقتراح رابطة دول الجوار ، والواضح ايضا ان ارادات عديدة قررت افشال اي عمل عربي مشترك.
ويؤشر مراقب الى ان معظم الدول العربية تدير علاقاتها مع بعضها البعض على اساس ثنائي ، فلا امل ابدا في قرارات كبرى كالتدفق عبر الحدود دون موانع ، وايجاد عملة عربية موحدة ، وغير ذلك من قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية ، وهو تكريس لحجم التقسيم في العالم العربي وتداعياته ، واعلان وفاة لمؤسسة جامعة الدول العربية التي تعاني من اسوأ ظروفها هذه الايام ، بما يفتح الباب والسؤال ايضا حول جدوى الجامعة بأنظمتها الاساسية ، وبطريقة عملها والياتها ، خصوصا ، ان جمع القادة في لقاء سنوي يمكن تأمينه باليات اخرى افضل من مظلة جامعة الدول العربية التي تدفع ايضا ثمن فقرها ، وثمن التشابكات السياسية والتعقيدات بين الدول العربية.
لا يمكن هنا اعتبار قمة "سرت "قمة فاشلة ، لانه ليس مطلوبا من قمة "سرت" ان تنتشل العمل العربي المشترك من قاع العروبة.. القضية متراكمة ، ولا ارادة سياسية في العالم العربي بتجاوز القطريات والصراعات والعلاقات الدولية والمصالح. على هذا الاساس يمكن مسبقا ان نعرف ان من يقرر النجاح او الفشل هو اثنين وعشرين دولة عربية ، ولكل دولة مشاكلها وما تسميه خصوصيتها وحساباتها. اي دور يبقى اذن في هذه الحالة لمؤسسة مثل جامعة الدول العربية التي شهدت منذ تأسيسها محنا كثيرة ، وصراعات ، حتى بات اسمى عناوينها هو عقد القمة العربية بشكل منتظم ، على اساس اقتراح يمني سابق.
هكذا اذن. يمكن اعلان وفاة جامعة الدول العربية. وتحميل المسؤولية لعدم توفر القرار والارادة في العالم العربي للتجاوب مع رغبات الشعوب بالتوحد وازالة الحدود والحواجز وعدالة توزيع الثروات وهي شعارات قيلت سابقا. واستدعاها الرئيس اليمني باسف بالغ حين قال في معرض شرحه لمشروع الاتحاد "اننا لا نريد ان نسطو على ثروة احد" وهو هنا يؤشر على حجم التباين بين الدول العربية الغنية والفقيرة ، واعتقاد الغنية ان اي نشاط عربي وحدوي او تضامني يعني دفع المال ، والمزيد من الدفع ، دون فائدة ترجى وفقا لاراء البعض.
قمة "سرت" المعنونة باسم بريد القدس. قمة حساسة وخطيرة ، لان عنوانها الاكثر خطورة وسخونة في العالم العربي.. واذا كان عنوان القدس لا يجلب كل هؤلاء الى خط واحد ، فأي عنوان بعد هذا العنوان سيثير العرب من اجل عمل مشترك ومواجهة التحديات بغير البيانات.
احسد بعض الزعماء العرب على قدرتهم على الصراحة والمكاشفة ، حين قالوا امس في حفل الافتتاح ان الكلام لم يعد كافيا ، وان القدس وغزة بحاجة الى ما هو اكثر من الكلام ، واقف مطولا عند الرئيس اليمني الذي قال ان العرب مهما اعطوا العالم واسرائيل ، فاسرائيل لن تتوقف.
اذا جاز تسميتها ، اي القمة ، باسم آخر. فهي قمة الاعترافات. والشكر موصول لسرت الفينيقية ، قلب ليبيا اليوم ، لانها اجبرت العرب على قول الحقيقة لمرة واحدة فقط ، اما جامعة الدول العربية ، فان اكرام الميت دفنه ، وسط هذا العالم المضطرب ، والقوي ايضا.