تشكل البادية الأردنية بُعداً إستراتيجيا ً وتنمويا ً هاما ً لتطلعات وطموحات سكان الأردن في المستقبل. فمساحتها الشاسعة التي تبلغ ما يقارب 73054 كم2 أي ما نسبته 81 % من مساحة المملكة، أكسبتها إمكانات واعدة في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بما يكفل تعزيز دورها في استيعاب المزيد من الأنشطة والسكان، خاصة في ضوء الزيادة السكانية الكبيرة المتوقعة خلال السنوات القادمة.
وتتصف البادية بظروف طبيعية صعبة، تعتبر بمثابة مشكلات تحد من إمكانات وفرص التنمية فيها. إلا أن موقعها المميز وتوفر المراعي ووجود المياه الجوفية والثروة المعدنية، كالصخر الزيتي والتف البركاني وغيرها من موارد يعطيها فرص واعدة للتنمية .
فالمتتبع لواقع حال البادية الأردنية لا يسعه، إلا أن ينشغل بالاختلالات التي تطبع علاقة الإنسان البدوي بالمجال الذي يعيش فيه. ذلك الوسط الطبيعي، رغم هشاشته، يخضع لضغوطات شتى تساهم في اختلال التوازن البيئي.
فالوسط الطبيعي يتميز بقلة الأمطار المتساقطة، مما حد من إمكانية اعتماد سكانها على الزراعة البعلية، لتدني إنتاجيتها. بالمقابل، ساهمت الزراعة المروية في زيادة نسب ملوحة التربة، ونقص متزايد في مناسيب المياه الجوفية، بسبب الضخ الجائر، الأمر الذي نتج عن ذلك تناقص في إنتاجية التربة. يتضح من ذلك، أنه مهما تم زيادة المساحة الزراعية، فإنه لن يتم الاعتماد كليا ً على الزراعة في تنمية البادية وفي توفير سبل العيش للسكان. فالزراعة، إذن، لا تستطيع وحدها في أن تكون سببا ً في تحسين المستوى السوسيواقتصادي للسكان. أما بالنسبة لقطاع الصناعة، فلا تزال معظم المشاريع القائمة صغيرة، بسبب النقص في المرافق العمومية والبنية التحتية...الخ. إن بقاء هذا الوضع على ما هو عليه، سيؤدي إلى هجرة معظم سكانها إلى المدن الأوفر حظا ً في فرص العمل والخدمات، بحيث ستصبح منطقة طاردة للسكان.
ويمكن أن نلخص حالة البادية في وقتنا الراهن \" بأن أي ملاحظ سواء كان اقتصاديا ً أو جغرافيا ً أو إداريا ً سيصيبه القلق أمام مستقبل البادية، فسيادة ظروف الجفاف، والضغط على الموارد المائية( استنزاف المياه الجوفية، وارتفاع نسبة ملوحتها، وانخفاض مستوى سطح الماء الساكن للخزانات الجوفية)، والرعي الجائر، ومحدودية التخطيط، وضعف التجهيزات...الخ. فهذه جميعها تظهر النتائج السيئة للبادية \". فتنمية البادية لا يمكن أن تتحقق إلا بتجاوز هذه المعوقات التي تقف كحجرة عثرة أمامها، وتأهيلها بنيويا ً، حيث أن التنمية على المستوى الوطني لا يمكن أن تتم إلا إذا حققت مختلف المناطق نموها الشامل.
فسياسة الدولة التنموية ركزت ولمدة طويلة في المناطق المحظوظة طبيعيا ً والتي توفر شروط الاستثمار السهل والمربح على حساب باقي المجالات، فالمشاريع الموجهة لتنمية البادية اتسمت بالضعف، وهذا ساهم في تهميشها.
هذه الصورة القاتمة للبادية الأردنية، ينبغي على الحكومة أن تحاول تجاوزها على أساس أن يحظى باهتمام من قبل مدبري الشأن العام، لتدارك النقص الذي تعاني منه فيما يخص البرامج التنموية.
ومن أجل الإحاطة الشاملة بالمشاكل والقضايا المرتبطة بالبادية الأردنية، وبالتالي التفكير في نمط فعال للتنمية، فإنه من الضروري تشخيص واقع الحال بالبادية الأردنية، والهدف من ذلك هو تحديد الإمكانيات الذاتية، وضبط المعوقات، ومعرفة المؤهلات المتوفرة سواء على المستوى الأسس الاقتصادية والبنية التحتية، أو على مستوى استغلال الموارد البشرية وتنظيم تدخلات الفاعلين.
وينبغي على الدولة أن تلجأ إلى تنمية البادية من خلال مسلسل من التحولات التي تمس مختلف جوانب الحياة في البادية، بحيث يتميز هذا المسلسل بالشمولية والانتظام، ويؤدي إلى الرفع من أداء العمل وترشيد استغلال الموارد الطبيعية والبشرية وتنويع الأسس الاقتصادية لسكان البادية وتحسين ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وبهذه الصفة، ستعمل هذه التنمية على الرفع من جاذبية الحياة والعمل في البادية، كما ستمكن السكان من تحقيق ذاتهم وتوفر لهم وسائل مواكبة تحولات المحيط من حولهم، سواء على المستوى المحلي أو الوطني أو الدولي.
د. فيصل المعيوف السرحان
دكتوراه في التخطيط الإقليمي والتنمية
المفرق/ سما السرحان
faisal_mayouf@yahoo.com