حاجة الاردن الى ثورة بيضاء
بقلم /الدكتور حسام العبداللات
التغيير الحتمي يحدث في كل المجتمعات وهذه سنة اجتماعية قدرها الله تعالى ، وكل الرسالات والرسل بعثوا من أجل التغيير من الفساد الى الأصلاح ، ومن الظلم الى العدالة وفق المنهج الالهي الذي أوحاه الله على هؤلاء الرسل عليهم السلام . والتغيير الذي سعى اليه الرسل كافة من خلال الحوار والاقناع الشعبي بإسلوب سلمي ، والاساليب غير السلمية انما تعامل معها الانبياء والرسل لمواجهة الاخطار الخارجية ، وان التغيير الذي سعوا اليه إنما كان للتغيير الايجابي ، قال تعالى : ((ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بإنفسهم)) وتعني هذه الاية ان التغيير في المجتمعات يكون من خلال الجهد البشري .
إن عنوان مقالتي هذه هو ما إستوحيته من كُتيب قراءته بعنوان " الثورة البيضاء في فكر حزب العدالة والاصلاح " وما جاء في هذا الكُتيب يستحق الدراسة والتحليل ، ويثبت حاجة الاردن الى التغيير ولكن هذا التغير لا يكون الا بثورة بيضاء ، نعم بيضاء لا غير .
الاردن بحاجة إلى الثورة البيضاء منذ زمن صراع الاحزاب في وسط عمان عام 1956 ، او حل الاحزاب وما سلف من احداث سياسية وصولا ً إلى عام 1967 ، واحتلال الضفة الغربية ثم احداث ايلول 1970 ثم هبة نيسان 1989 ، وفك الارتباط مع الضفة الغربية بضغوط مؤتمرات القمة حيث ان منظمة التحرير الفلسطينية ترغب في الانفراد في تمثيل الشعب الفلسطيني ، وما تلا بعد ذلك من قيام الانتخابات البرلمانية في الاردن وعودة الاحزاب وحتى ايامنا هذه والاردن يخوض متاعب سياسية ادت إلى ظهور قوى فساد وشد عكسي سبّب الانحراف وتشجيع الفساد ، والاردن الان كما يرى حزب العدالة والاصلاح أحوج ما يكون إلى الاصلاح الحقيقي ولكن اي اصلاح ؟ .
ويشيرالكتيب الى أن احداث تغيير في الواقع إلى واقع آخر أفضل يستند إلى التغيير الضروري المطلوب وفي زمن معين ونطاق معين ، ويكون ذلك من خلال ثورة دموية أو سلمية ولكن حزب العدالة والاصلاح إقترح التغير للوصول الى واقع افضل عن طريق ثورة جديدة أسماها " الثورة البيضاء " والتي وتستند على قيام الشعب في كل اماكنه بقيادة طلائع الثورة بإحداث التغيير المنشود عبر تحقيق الاصلاح الشامل وتحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق التغيير المرحلي.
والثورة البيضاء كما يراها حزب العدالة والاصلاح ، فهي التي يقودها الإصلاحيون من قيادات الشعب والاحزاب الجماهيرية التحررية بهدف القضاء على الفساد والظلم والجور والفقر والبطالة وتحقيق التغيير الشامل في كل مناحي الحياة السياسية والإقتصادية والاجتماعية ، ويتم تحديد آليات وبرامج لتنفيذها عبر وسائل الاعلام والارشاد القومي والوطني وعبر مؤسسات الدولة والمخلصين من ابناء الوطن ، وعبر التعاون والتضحية لأجل إحداث التغيير مهما طال الوقت وزادت التكلفة.
ان من أجمل ما تتحدث فيه الثورة البيضاء هو تعزيز الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية ، وتوضيح الاجراءات الفعلية لتحقيق ذلك ، كما بينت الثورة البيضاء في فكر حزب العدالة والاصلاح كيفة إعادة هيكلة السلطة التنفيذية من خلال انشاء وزارات يحتاجها الواقع الافضل للاردن كوزارة للمغتربين وإخرى للتجارة الداخلية والتموين ووزارة للدفاع لا تدمج مع منصب رئيس الوزراء ، ووزارة مؤسسات المجتمع المدني ... كما تتحدث كذلك على دمج بعض المؤسسات كديوان الخدمة المدنية بوزارة العمل والتشغيل .
كما أظهر الكُتيب النضوج السياسي لحزب العدالة والاصلاح عندما اشار الى التشاركية الشعبية مع القيادة التي تُحيد العنف والارهاب وتدعو للتعقل والسلم منهجاً للتغير سمي بالثورة البيضاء ، وأي روعة أظهرها الفكر السياسي لحزب العدالة والاصلاح عندما أشار في ثورته البيضاء ، الى تشكيل حكومة ظل متفرداً وسباقاً بتلك الفكرة ، حيث يرى الحزب ان الثورة البيضاء تنضج عندما تكون الاحزاب والقوى السياسية خارج السلطة ، فإن عليها ان لا تلجأ الى العنف بل الى تشكيل حكومة ظل تراقب اداء كل وزارة وتضع هي التصور والسياسات والاستراتجيات التي تراها الافضل ، بحيث عندما يقدر الله عز وجل لها أن تتقلد زمام السلطة تكون جاهزة للعمل مباشرة .
لا شك ان عملية الاصلاح ستجد أمامها تحديات ومعوقات وعوامل للفشل ما لم يتمكن من مجابهتها وتحويل التحديات والمعوقات وعوامل الفشل إلى عوامل نجاح وذلك على النحو التالي:-
فالمزاودين والمنافقين ، وقوى الشد العكسي المرتبطة بأجندات أجنبية داخل الديوان الملكي وفي الجيش والامن والمخابرات والوزارات والحكومة والبرلمان والاحزاب والنقابات جزء من معوقات الاصلاح ، مما يستدعي تطهير هذه الفئة عن طريق التنمية السياسية ، كذلك التبعية السياسية والإقتصادية للبنك الدولي ولقوى الغرب من الشركات الاجنبية التي لها ضغط على القرار المحلي والحل هنا يكمن في الاهتمام بالموارد المحلية الأقل تكلفة ، كما أن سوء الادارة والخبرة في استغلال الموارد المائية والطاقة والتعدين من تحديات الاصلاح وتواجه بالأعداد بالتدريب واسستقطاب اصحاب الخبرات.
قضية الدستور وصيانته والمحافظة عليه من أكبر معوقات الاصلاح ، لذا يدعو حزب العدالة والاصلاح في ثورته البيضاء الى كتابة دستور تشارك في صياغته كافة قوى الشعب المخلصة من اجل دستور ملائم لسنوات وعقود قادمة للجميع ويدافع عنه الجميع عن قناعة ومحبة واخلاص وليس على اساس مصالح خاصة ونفاق ومجاملات.
ويرى الحزب بفتح الباب امام كافة الايدولوجيات لتتنافس على تطوير وبناء الاردن الجديد بما يتفق مع الثوابت الوطنية والدينية ، هو دعم لعملية الاصلاح وكذلك ينطبق الامر في تشجيع الاعلام الخاص البناء والمهني إلى جانب الاعلام الرسمي وإعطاء الاعلام الخاص الدور الحقيقي مع المعارضة في الداخل للمشاركة في كشف بؤر الفساد ودعم حركة الاصلاح .
ترشيد الاستهلاك وترشيد الطاقة وترشيد الاستيراد إلى اقصى حد ممكن لتوفير المال وتقليل الانفاق عن طريق تعاون القطاعين العام والخاص ، واصلاح حركة الوعظ الديني بما يتلائم مع خطط الإصلاح بعيداً عن الحروب الكلامية والتحريض او الزيف في الحقائق ، والحياد التام مع كافة دول الجوار ما لم يؤثر ذلك على الثوابت والامن الوطني ، كل ذلك من ابرز دعامات الاصلاح .
واشار الكتيب الى الغاء الامتيازات والاحتكارات وفتح باب المنافسة امام الجميع وأمام دول العالم في الشرق والغرب لما فيه مصلحة الاقتصاد الوطني والنمو السريع والمتوازن ، وتشجيع الحوار الوطني بين فئات الشعب في السياسة والاقتصاد والاجتماع وكافة مناحي الحياة للوصول إلى ارفع مستويات النمو والتقدم ، للوصول الى الاصلاح بثورة بيضاء .
تشجيع العمالة المحلية على حساب العمالة الوافدة في جميع القطاعات عن طريق الارشاد والتوجيه والتدريب وتكافؤ الفرص واستخدام الاختصاصات ، وتطوير المحاكم والقضاء والقوانين وسرعة البث في القضايا وتحقيق العدالة إلى ابعد حد ممكن لنشر الطمأنينة وتفعيل القوانين وتطويرها بما يتلائم مع مراحل الثورة البيضاء.
إنني على يقين أن واقع الاردن والاردنيين الان صعب جداً ، فنحن نعيش في أزمة على مختلف الصعد ولا أرى في الافق ما يبشر بتجاوزنا لحالة الاحتقان والاختناق التي يعيشها اردننا الغالي ، لعجزالحكومات المتعاقبة عن تقديم برامج واضحة تتطلبها حتمية التغير ، لذا فإن الثورة البيضاء التي يطرحها حزب العدالة والاصلاح مؤهلة لملئ هذا الفراغ التي صنعته حكومات الفشل .
hussamabc@yahoo.com