لم يعرف التاريخ رجلا يساوي ألفا من الرجال إلا رجلان اثنان, الأول هو القعقاع بن عمرو رضي الله عنه؛ وكان ذلك في معركة القادسية عندما طلب سعد بن أبي وقاص من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يبعث له مددا من الجند في مواجهة جيش فارس الذي فاقهم عددا وعدة, فأرسل الخليفة عمر القعقاع بن عمرو, وهو رجل بألف رجل, وقد قيل جيش فيه القعقاع بن عمرو لا يهزم.
أما الرجل الثاني فهو ليس صحابيا ولا تابعيا ولا أمويا ولا عباسيا ولا تتريا, إنه رجل المرحلة, وفي زماننا يعيش, إنه وزير التربية والتعليم الأردني, وبصراحة فقد تفوق كثيرا على القعقاع بن عمرو, ويحمل الرقم القياسي في عدد من يساويهم هذا الوزير, إنه وبدون تردد رجل بتسعين ألف رجل..؟
نعم, أمام تسعين ألفا من المعلمين, خاضت الحكومة الأردنية وبوزير واحد فقط معركة المعلمين, ورجّحت كفة الوزير, فلا اعتذار صريح على الإساءة الواضحة والمباشرة التي وجهها للمعلمين, ولا استقالة تنتصر فيها الحكومة قبل المعلمين للوطن وكرامته, وتنتصر للمعلم ومكانته وقيمته الإنسانية والعلمية, ولا أدري من الأولى بتغليب مصلحة الوطن, رجل واحد في الحكومة يقدم استقالته بسبب إساءته الواضحة بحق تسعين ألف معلم, أم المعلمين المغلوب على أمرهم والذين انتفضوا لكرامتهم وحقوقهم, هذا سؤال مشروع أضعه بين يدي رئيس الوزراء.
ومع ذلك وحرصا على الوطن وتغليب المصلحة العليا, فقد آثر المعلمون العودة إلى مدارسهم وتعويض الطلبة عن أيام الإضراب, فهم أوفياء منتمين محبين مخلصين للوطن, أما الوزير فما زال ولا أدري لمن صار وزيرا, وكل المعلمين يرفضونه, بعد أن ثبت أنه في معيار الحكومة أن الوزير يساوي كل المعلمين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
وأقول لكم أيها المعلمون: هم ليسوا مثلنا, فسلمت كل شعرة من لحيتك أيها المعلم, وسلم لسانك, وسلم عقلك, وسلم فكرك, وسلمت كرامتك المستمدة من كرامة وطنك, سلم هندامك الذي ترتديه منذ سنوات؛ لا لعزوفك عن شراء الجديد, بل لتُطعِم أبناؤك الجياع في زمن الإقطاع, زمن العبودية من جديد. هؤلاء لم يعرفوا الجوع يوما, ولم يحفوا في أسواق الملابس القديمة ( البالة) بحثا عن سعر زهيد, ففكرهم غير فكرنا, وملابسهم غربية, ولسانهم أعجمي, والكرامة عندهم تختلف عن كرامتنا, ونظرتهم إلينا من علوٍ شديد, وما نحن بالنسبة لهم إلا العبء الذي يثقل همومهم, ويعطّل نفوذهم, ويستهلك بضائعهم الفاسدة, ويسدد عجز ميزانية الدولة بدلا عنهم.
rawwad2010@yahoo.com