هل يصر المعايطة على لعب دور سفير الصحافة في بلاط الرئاسة وتقديم المشورة من باب التشارك في محاولة تصحيح الواقع?! الزميل سميح المعايطة, الذي كان يطل عبر زاويته اليومية في صحيفة "الغد" صوتا حرا للغالبية الصامتة وناقدا بنّاء لسياسات الحكومة, ينتظر منه اليوم أن يقول كلمة حق في أذن رئيس الوزراء سمير الرفاعي, الذي عيّنه فجأة مستشارا سياسيا قبل أيام. فالمعايطة كان دوما قريبا من نبض الشارع وفي المواقع الرئيسة التي عمل فيها منذ عرفناه مطلع 1991 محررا وكاتبا صحافيا في "الرباط", لسان حال الإخوان المسلمين, ثم نائب رئيس تحرير أسبوعية "السبيل" سابقا الناطقة باسم حزب جبهة العمل الإسلامي, قبل أن ينقل السلاح إلى الكتف الآخر في "العرب اليوم" منذ تأسيسها منتصف العقد الماضي, وأخيرا "الغد" منذ اليوم الأول لصدورها في آب (أغسطس) .2004 خلال رحلته بين الصحف والتلفزة الرسمية, ساهم هذا القلم في الغالب في تفعيل دور "السلطة الرابعة", كجهة تراقب وتحاسب أداء السلطات, بخاصة في السنوات الخمس الماضية التي تراجعت فيها هيبة الدولة بفعل تداخل الصلاحيات وتشابك الأدوار على وقع اختلاط السياسة بالمال. المصداقية التي غلّفت كتاباته والتزامه المبدئي بمصالح العامّة وهمومهم المجتمعية, أكسبته احترام فئات المجتمع بخلاف كتاب زوايا طاردتهم لعنات المسؤولين, المجتمع أو سهام التخوين والتشكيك في إقليم لم يتعود على تقبل الرأي الآخر أو مناقشة القرارات التي تمسه. دبلوماسيته الفطرية, وسطيته وتسامحه ظلت ملازمة لشخصيته بعد أن غادر مظلة الحركة الإسلامية. مع بدء عشرية الملك عبد الله الثاني صيف ,2009 طالب المعايطة مرارا "بضرورة دخول مرحلة سياسية ووطنية جديدة نطوي بها مرحلة سابقة ألحقت بالحياة السياسية العامة وحتى الدولة ثمنا كبيرا وأذى". ودعا في كتاباته إلى محاسبة قادة تلك المرحلة بدلا من وضع كل المسؤولية على أكتاف مجلس النواب" الذي حل فجأة قبل ستة أسابيع, من دون أي تبريرات. في كتابه "قضية ومقال", الذي ضم مقالاته خلال العقد الماضي, طرق المعايطة قضايا محلية وإقليمية من منظور استراتيجي وبسخرية أحيانا; بدءا من انتقاد ظاهرة المستشارين في الحكومة, الخصخصة و"هيمنة مفاهيم إدارة الشركات والعمولات على العمل العام" والتداخل الأردني الفلسطيني". من بين عناوينه المثيرة: "كرسي المسؤولية و(لعنة) تغيير المواقف..", "وعود الإحباط", "الوراثة الاقتصادية منافسة مع الوراثة السياسية لصناعة المسؤولين", "استهداف الإسلاميين.. هل يحقق مصلحة إستراتيجية أردنية?", "صناعة التطرف" و "الزرقاوي وريث حلف وارسو". غالبية الممارسات التي اشتكى منها المعايطة وغيره من كتاب الزوايا وردت في كتاب التكليف السامي إلى حكومة الرفاعي, سابع رئيس وزراء في العهد "العبدلي" الثاني, الذي يعلن عن حث الخطى صوب التحديث, لكن في غياب توافق وطني حول وجهة الاقتصاد أو شكل الأردن الجديد وهويته السياسية. اليوم يقع على الرفاعي وطاقمه عبء تنفيذ خارطة طريق "مثالية" مفصلة لتحديث البلاد, من خلال خطة عمل لكل وزارة ضمن أهداف وسياق زمني معلن للجميع. وإلا, ستتهمش للأبد مصداقية الخطاب الرسمي بعد دوران وعود الإصلاح في حلقات مفرغة على وقع التخبط ومواقف ساسة جسّدت النقيض ونقيضه. أما المعايطة, فعليه التمسك بجوهر مواقفه السابقة, كلما طلب الرفاعي مشورته وانتقاد أي ممارسات غير مفيدة, من دون أن يبيع ضميره ويمرّر الخطأ على أنه صح. مهمة صعبة ومعادلة حسّاسة لا يحسد عليها المعايطة, الذي لا بد أنه فكر مليا بمكاسب ومخاسر هجرة منبره الإعلامي المؤثر. للتذكير, استمر المعايطة يكتب بنفس الجرأة بعد تشكيل حكومة الرفاعي. تحت عنوان "الحذر واجب", علّق على مخاض حكومة الرفاعي: "في الطاقم الجديد أسماء إيجابية. لكن الناس كانت تتوقع أن ترى فريقا تقرأ من خلاله إمكانية صناعة واقع جديد. ما جرى بعد التشاور الطويل, أنه تم اختيار نصف الحكومة من الحكومة السابقة, وأسماء أخرى جديدة عادية. وهذا كله لا يحتاج إلى أيام طويلة أو الإثارة الإعلامية التي انتهت بظهور الأسماء". بعد ذلك بيومين حذّر الكاتب الذي أضحى مستشارا من أن "الدولة ليس لديها وقت كثير لممارسة أي تجارب لا يحتمل نجاحها. فما يجري عنوان لمرحلة وليس تغيير حكومات أو تغيير أعضاء مجلس نواب, ومواقع أخرى". فهل ينقل هذا التنبيه من الورق إلى كواليس الحكم? ويصر عليه? في الأوقات العصيبة الداخلية والخارجية التي مرّ بها الأردن الرسمي والشعب, كان المعايطة يتقدم الركب الإعلامي, ويدق الجرس لصاحب القرار. باختصار, لم يتغير موقفه بتغيير مواقعه. وظل من المداميك الأساسية التي تسند خيمة الإعلام ذي الغالبية المرعوبة. وقد تهتز خيمتنا بخروجه. إلا إذا أصر سميح على لعب دور سفير الصحافة في بلاط الرئاسة و تقديم المشورة من باب التشارك في محاولة تصحيح الواقع. وبالتالي قد نسمع ونشاهد قرارات حكومية تدعم كتاباته, فيما إذا اختار أن يكون حصان طروادة الصحافة في الدوار الرابع. في حال تحقق هذا السيناريو الأفضل, لن نفتقد كتاباته بعدما افتقدنا صورته وصوته قبل عشرة شهور حين أوقفت إدارة التلفزيون برنامجه الحواري "وجها لوجه", فيما بدا إيعازا من حكومة نادر الذهبي. بعد إخراجه, علا صوته في الدعوة لإقالة تلك الحكومة متعللا ببطء حراكها. - فهل نتوقع قرارات جريئة تتماشى مع عناوينه العريضة أخيرا: "لا بد للدولة من استعادة أدواتها السياسية: الإعلام, مجلس النواب والعشيرة", أو دعوته "للمنابت والأصول كافة, إلى موقف وطني جامع وقوي في مواجهة الإصلاح السياسي إذا كان قائما على المحاصصة والتوطين السياسي... لأن ذلك يحوّل الإصلاح إلى مصدر خطر على المصالح الوطنية أردنيا وفلسطينيا". ولم ينس المعايطة "الكاتب" الحنين إلى الماضي, إذ يقول: "العديد من الأردنيين يتحسرون على وصفي التل (رئيس الوزراء الذي استشهد في القاهرة 1971) وهزاع المجالي (استشهد في تفجير الرئاسة عام 1960), (..) لأنهم يشعرون أن هذه النماذج كانت قادرة على رفع صوتها وتجسيد رجولتها, وأيضا مستعدة لدفع الثمن مقابل مواقف كان غيرهم يهرب حتى من التفكير بها". هذا غيض من فيض ما نشره المعايطة. بعد كل ذلك, هل يقبل أو يقبل رفاقه القدامى أن يتحول إلى سفير للحكومة في بلاط الصحافة أو يدافع عن قرارات غير شعبية قد تضطر الحكومة الجديدة لاتخاذها? وهل يحث كتاب الزوايا, على منوال من سبقه, على الدفاع عن مواقف كان يعارضها في منبره الإعلامي? من سيصدقه من الإعلام والناس, إن جاء بعد أسابيع ليقول لنا مثلا إن الأزمة الاقتصادية التي تواجه حكومة الرفاعي ليست من صنيعتها, وإنما تركة من سابقتها, وأن العين بصيرة واليد قصيرة, وليس بالإمكان عمل المزيد لتحسين أوضاع البلاد والعباد? وكيف سترد الأقلام إذا جادل المعايطة, من موقع المستشار, بأن المصلحة العليا تأتي من خلال المحافظة على قانون الصوت الواحد الانتخابي مع إجراء تعديلات تجميلية? وهل ستستمع إليه إذا أسر لها بأنه اكتشف, بعد انتقاله للدوار الرابع, بأن على الأردن إسناد عملية السلام المتعثرة كيفما اتفق لأن "بقاء الدولة مشروط بدعم المفاوضات"? نريد من المعايطة أن يظل صاحب القلم الشريف والموقف الواضح, لا أن يلعب دور الكومبارس الذي يحدثنا عن قضايا نعرف مسبقا أنه لا يقف معها لكنه مضطر للعب السياسة. وفي حال إصراره على مواقفه, فهل سيقبل الرفاعي مثلا إذا عرض عليه مستشاره ذو الخلفية الإسلامية فتح حوار مع هذا التيار المتنفذ لدعم مسار الإصلاح السياسي? وهل سيقبل أن ينتهج الأردن سياسة خارجية أكثر توازنا بين فتح وحماس? بالأمس زار المعايطة زملاءه في صحيفة "الغد" مودعا. عبّر البعض عن حزنهم لمغادرته إلى موقع قد لا يستطيع "سميحنا" أن يتأقلم معه إلا إذا غير لونه.. وفي ذلك خسارة أكبر للجميع. في الذاكرة الشعبية عشرات المبدعين ممن ولجوا بوابة سياسة جوائز الترضية أو أسكتت أصواتهم عبر تحويلهم إلى مستشارين لا يستشارون. الأمل في أن لا يظلم الرفاعي المعايطة, وأن يثبت للجميع انه اختاره لما يمّثله من موقف واضح وقدرة على التواصل الشعبي والانفتاح الحكومي على أكبر عدد ممكن من المكونات المجتمعية, بمن فيهم الإسلاميون والمهمّشون منذ عام .2007 قبل وبعد سميح, نأمل أن تظل السماء سقف حرية الإعلام كما يريد عبد الله الثاني, لا أن تكون حدودها "الطابق الثاني" في دار رئاسة الوزراء حيث سيجلس المعايطة إلى جانب سائر المستشارين. ننتظر معرفة فيما إذا سيكون المعايطة صوتا للدفاع عن حرية الصحافة داخل الرئاسة, أم سيكون جزءا من تطويع الجسم الصحافي ومن ورائه المجتمع الأوسع حتى يقبل المخفي المقبل, على شاكلة حكاية القردة الثلاثة الجالسين بجانب بعضهم; يدا أولهم على فمه, والثاني على عينيه والثالث على أذنيه.0