عندما يرد نظام الرئيس محمود أحمدي نجاد ، بلسان أكثر رموز المحافظين تشددا ، على العرض المتضمن خمس نقاط الذي تقدم به زعيم الإصلاحيين مير حسين موسوي بطريقة إستفزازية وبإسلوب غلب عليه التحدي والإصرار على المضي بالمواجهة حتى النهاية فإن هذا معناه أن إيران ذاهبة إلى ما يمكن أن يكون الأيام الجديدة سواء كانت عشرة أم ألف التي ستهز العالم على غـرار أيام الثورة البلشفية العشرة التي كانت هزت عالم ما قبل مائة عام . لم يقبل المحافظون المتحلقون حول المرشد علي خامنئي ، الذي بات طرفا معلنا وليس وسيطا يقف في منتصف المسافة بين خنادق المشتبكين المتقابلة ، وحول محمود أحمدي نجاد بما عرضه مير حسين موسوي والذي كان من الممكن أن يشكل مخرجا مقبولا يجنب إيران ما ينتظرها عند مفترق الطرق التي هي ذاهبة إليه وهم واجهوا إستعداد مناوئيهم للمصالحة بأن عرضوا على هؤلاء الإختيار بين المر والذي أمر منه وهو : إما التوبة أو العقاب !! . وهذا معناه ، إن لن يستجد ما هو غير متوقع على الإطلاق ، بعد أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه ، أن هذه المنطقة التي تتفجر فيها بؤر التوتر كالبراكين ستعيش للثلاثين أو للخمسين سنة المقبلة على وقع الأحداث الإيرانية التي ستتلاحق كما تلاحقت ولاتزال تتلاحق أحداث الثورة الإيرانية التي كانت في حقيقة الأمر هي المفجر الفعلي لكل هذه الحروب ولكل هذه التطورات الساخنة التي شهدها الشرق الأوسط إمتدادا حتى أفغانستان . في مثل هذه الأيام قبل إحدى وثلاثين سنة كانت مقدمات الثورة الإيرانية ، التي كالثورة البلشفية ، كانت أحد أهم أحداث القرن العشرين قد بدأت تتلاحق كما تتلاحق الآن أحداث هذه الأيام وقد بدأت تتنقل بين المدن التي نسمع أسماءها تتردد وكان كثيرون كما هو الآن أيضا يرفضون التصديق بأن الشرارة التي إنطلقت من قم سوف تتحول إلى نيران هائلة وسوف تغير إتجاهات بلد كل تاريخه ثورات وقلاقل وصراع بين تيارات ومدارس فكرية متعددة . لم يصدق في تلك الفترة المبكرة معظم المتابعين عن قرب ، وكنت أنا أحد هؤلاء ، أن تلك المظاهرات المتنقلة التي انطلقت من قم وإنتشرت إنتشار ألسنة النيران في الهشيم سوف تطيح بعرش الطاؤوس وسوف تغير موقع إيران على خريطة الإستقطابات والتمحورات الدولية فهناك جهاز السافاك المخيف بقيادة الجنرال نصيري وهناك الجيش الحديدي الذي كان يعتبر الشاه محمد رضا بهلوي مبعوث العناية الإلهية وهناك القواعد الأميركية وهناك حاجة الغرب الرأسمالي لذلك النظام الذي بناه على أنقاض ثورة مصدق الليبرالية لمواجهة المد السوفياتي المتعاظم في أخطر وأهم منطقة إستراتيجية في العالم بأسره . لكن ما كان مستبعدا أن يحدث ما قد حدث وقد ترتب عليه كل هذا الذي شهدته هذه المنطقة ولاتزال تشهده على مدى الثلاثين سنة الماضية وأخطره الحرب العراقية الإيرانية وكل الحروب التي تعتبر إمتدادا لها وصولا إلى غزو العراق وإلى غزو لبنان في عام 1982 وحرب 2006 وحرب غزة والحروب الحوثية الستة التي تلاحقت على مدى خمسة أعوام وهذا يؤكد أن إيران في ضوء هذا الذي يجري سوف تفجر براكين جديدة كثيرة في الشرق الأوسط سواء إنتصر نظام محمود أحمدي نجاد أو انتصر الإصلاحيون في هذه المواجهة التي بدأت بشرارة صغيرة وتحولت بسرعة إلى كرة النيران الحالية الملتهبة الكبيرة والخطيرة .