تبارى المنجّمون العرب في اليومين الماضيين برسم مشهد دموي للعام الجديد ، حيث مقتل الكثير من الزعماء ، وتقسيم الدول ، والحروب الأهلية والخارجية ، واهتزازات أرضية ستغيّر شكل المنطقة ، وأكّد واحد منهم على عودة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة ، وحين شكّك المذيع بالأمر ردّ عليه: أنا متأكّد مائة بالمائة، وصار لكلّ فضائية عربية منجّمها الخاص ، وبدا التنافس على إعلان الغريب واللامألوف هو الذي يأتي بالمشاهدين ، وهؤلاء يتابعون بكلّ اهتمام ، ونستطيع الشهادة بأنّ حجم متابعة المواقع الالكترونية التي أعادت نشر التنبؤات والتوقّعات تضاعفت مرّات ومرّات. وموضوع التنجيم كان يأسر الناس في كلّ العصور والأزمنة ، واستخدم القادة العرافين والمنجّمين قبل اتّخاذ القرارات الكبيرة ، على أنّ ما يجري هذه الأيام مع وجود هذه الثورة المعلوماتية جعل من الظاهرة الدائمة فيضاناً جارفاً يتناول كلّ شيء ، من مصير الزعماء والأنظمة والدول إلى زيجات وطلاقات الفنانين والرياضيين وصولاً إلى تحديد ما سيجري للناس باليوم والساعة وربّما الدقيقة. لا نقول "رزق الهبل على المجانين" فهذا لا يليق بالجمهور العريض ، ولكنّنا نتساءل عن حجم الاستلاب واللجوء للغيب الذي يعيشه المواطن العربي في زمن المادية والعلمية والمعلوماتية ، ولعلّ الأمر يصلح موضوعاً لدراسة جادّة من متخصّصين.