منذ شهور أو ربما منذ سنوات ( أغرقنا ) أنفسنا في الحديث كثيرا عن الفساد والمفسدين , وعن اولئك الذين ( نهبوا ) الوطن , واخترقوا خيراته وحرماته ... كنّا ( نفجّر ) أقلامنا حول بعض المسؤولين بمختلف أحجامهم ودرجاتهم وطبقاتهم ممّن نهبوا, أو ارتشوا ,أو تهاونوا ,أو تجاوزوا كلّ الخطوط والحرمات ... كان بعضهم ( يسقط ) كأوراق الخريف , فيما كان الكثيرون منهم ( يغرسون ) أقدامهم في الأرض كالأوتاد ... ورغم كلّ ذلك فإنّ جميع هؤلاء الفاسدين كبارهم وصغارهم لا يشكّلون إلاّ جزءا بسيطا من ( الخطر ) الذي يشكّله من هم أكثر منهم ( إحترافا ) وأكبر منهم حجما و( سطوة ) ... اولئك الّذين ( يفردون ) أيديهم بطولها وتشعّباتها فوق كلّ شيء ... يتحكّمون في أسواقنا وأرزاقنا وحتّى أعناقنا أحيانا ... لا يهمّهم كل الأردنيّين حتّى لو ماتوا جوعا أو قهرا أو حرقة ... يعقدون ويبرمون ( الصّفقات ) مع كلّ شياطين الإنس والجنّ لإحتواء وإحتكار كل شيء ... يفرّغون أسواقنا من خيراتنا , ويغرقونها بالسّموم و ( القمامة ) , ويمارسون ( البلطجة ) بكلّ صنوفها وأنواعها حتّى عندما ( يتظاهرون ) أحيانا بأنّهم يحاولون ( إنعاش ) إقتصادنا الوطنيّ عن طريق ( استحداث ) وفتح أسواق خاصّة بهم في كلّ مكان وزمان .
قبل اسبوعين تقريبا إرتفعت أسعار معظم أصناف الخضار في أسواقنا المحليّة بشكل ملحوظ جدّا في الوقت الذي كان يشكو فيه معظم مزارعي الأغوار من فائض في الإنتاج وتدن في الأسعار , حتّى أنّ بعضهم كان ( يهدّد ) بالتوقّف عن قطف محاصيله من الخضار الّتي تعوّدنا أن تكون أسعارها ( معتدلة ) في بداية فصل الرّبيع من كلّ عام ... ترى ما الذي حدث ... وأين ( اختفى ) فارق السّعر ... وأين ذهب معظم الكمّيّات الكبيرة من الخضار والفاكهة التي كانت تخرج من المزارع في طريقها إلى الأسواق المركزيّة ... ولماذا لا يترك للمواطن الأردنيّ إلاّ الأصناف التّالفة والرديئة من منتوجات وطنه , ويتمّ تفضيل الآخرين عليه ممّن يملؤون جيوب ( الحيتان ) بالعملات الصّعبة , وهل يجوز أن يتحكّم إثنان أو ثلاثة أو عشرة أوأكثر من ( أباطرة ) التجّار و( الشطّار ) في أسواقنا و( سلال ) خضارنا , ويتعاقدوا مع تجّار ووسطاء أجانب لتفريغ الأسواق الأردنيّة من المنتوجات المحليّة وتصديرها إلى خارج البلاد ؟ .
لم يعد السّكوت من ذهب أمام هؤلاء ( المتسلّطين ) ... ولا يكفي أبدا أن يكون عقابهم بالإحتساب والإرتقاب فقط , ولم يعد ينفع أن نظلّ ننتظر رحمتهم حتّى ( يشفقون ) علينا بأسوأ أصناف الغذاء التي لا تكون صالحة للإستهلاك البشريّ في معظم الأحيان ... فقد أطعمونا لحما فاسدا و( نتنا ) , وأرغمونا أن نأكل من قمامة الخضار , وابتلعنا من جشعهم المرّ والعلقم , وأسقونا شرابا من حميم , وأرضعوا أطفالنا حليبا فاسدا , حتّى أنّهم ( تطاولوا ) على صحّة أبداننا فاستبدلوا الدّاء بالدّواء , وأفرغوا كل ما في جيوبنا ليكبر طمعهم وتنمو أرصدتهم و( ينتفش ) ريشهم .
إذا كانت الحكومة جادّة في القضاء على كلّ جيوب الفساد حيثما ظهرت أو توارت , فعليها أن تبدأ بالحيتان أولا حينها ستستسلم ( الفئران ) بسهولة وبدون مواجهة أو عناء .
adnan_rawashdh@yahoo.com