"كذبك حلو..!!\" أغنية بصوت جميل تتحدث فيها صاحبتها عن تجربة حب عاشتها.. ثم اكتشفت أنها كذبة ليس أكثر... لكنها أحبت تلك الكذبة.. وأخبرت من أحبته أن كذبه كان حلواً.. وأن حبه كان أحلى كذبة صدقتها في حياتها.. ولو عاد الزمان للوراء.. فستحب أن تعيش ثانية، ولو لفترة وجيزة، تلك الحالة، حالة الحب، وذاك الأمل الذي أعطاها إياه رغم أنه كان وهماً..!!
في هذا اليوم الذي يُطلق عليه \"كذبة نيسان\"، لن أبحث في أصله أو في شرعية الكذب فيه.. بل سأتناول نوعاً خاصاً من الكذب، ذلك الكذب المُحبب.. الكذب الإيجابي الذي يحوي أفكار التمني.. ذلك النوع من الكذب الذي يُحدث آثاراً إيجابية.. سأتحدث عن كذب يعطيك شعوراً جميلاً كالذي تحسه حين تأخذ مخدراً.. كذبٌ مقبول ومشروعٌ إنسانياً.. كذبٌ يُضفي بهجة وسعادةً.. كذبٌ فيه تحدٍ قد يتحول أحياناً إلى حقيقة!!
لي شقيقة وُلِدت في الأول من نيسان أو ما يٌُدعى \"كذبة نيسان\". كانت الابنة الثالثة في العائلة. وكان يؤمل أن تكون ذكراً في هذا المجتمع الذكوري. وبسبب \"كذبة نيسان\" شاع بين الأقرباء أن والديّ قد رُزقا بصبي.. وعلى ذلك الأساس جاؤوا ليقدموا التهاني لأبي، الذي لم يفرق يوماً بين الأبناء، فقال متحدياً: \"بل هي بنت، وستكون بإذن الله أفضل من الرجال.\" ومضت السنوات.. وثبت أن لأختي الرقيقة هذه شخصية تساوي عدة رجال، قوية وجسورة وإرادة صلبة لا تلين.. فاتخذت المحاماة مهنة لها لملاءمة شخصيتها للعمل في ذلك المجال. لقد أثبتت أنها أجمل حقيقة في يوم الكذب!!
نحن نكذب على أنفسنا أحياناً حين لا نريد الاعتراف بالواقع الذي لا نحب، في محاولة للهروب منه. والإنسان أيضاً مخلوق حالم.. والأحلام حق للإنسان.. فنحلم في مراحل حياتنا المختلفة بأمور شتى وأشياء نحبها ونسعى لتحقيقها أو لامتلاكها، ولو في خيالنا، لنستقي منها سعادة وفرحاً.. وننسج لها في نفوسنا قصة نعيشها كأنها واقع... إنها حالة وردية ترفعنا إلى السُحب.. ثم تأخذنا برحلة إلى السماء نشاهد فيها كل النجوم عن قرب.. ثم لا نلبث أن نعود إلى الأرض.. وإلى مرارة الواقع.. لنكمل هذه الحياة، ونمر بكل ما كتبته لنا المقادير.. لكننا لا نندم أبداً أننا عشنا تلك اللحظات التي حلقنا فيها في سماء الخيال.. حين مشينا فوق الغيم.. ولامسنا القمر..
يا إلهي، لقد أنعشتنا تلك اللحظات..!! ومنحتنا دفعة للأمام...!!
كلّ منا، مهما بلغت دماثة أخلاقه ونزاهته، اضطر في مشوار حياته أن يكذب على الآخرين، ليس عمداً بل لتجنب نقل خبر سيء لعزيز، أو لإخفاء حقيقة مرّة لن يفيد إظهارها لأي إنسان شيئاً وإنما ستترك أثراً سيئاً لا غير.. والأمثلة لدى كلّ منا كثيرة.
الدين الإسلامي الحنيف كان بَعيد النظر عندما تسامح مع بعض أنواع من الكذب. ففي حديث صحيح للنبي (ص) أخبرنا أن الكذب ليس خطيئة في ثلاث مواطن: في الحرب، لأن الحرب خدعة، وفي إصلاح ذات البين، لما في ذلك من تحسين للعلاقات وإزالة للتوتر، وفي رد الزوج بالإيجاب حينما تسأله زوجته إن هو يحبها، حتى ولو لم يكن ذلك صحيحاً.. ويصب كل ذلك في الآثار الإيجابية لذاك الكذب. وتنسحب رخصة الكذب تلك على أمور أخرى صغيرة في الحياة يُستحسن الكذب فيها أو إخفاء الحقيقة، لأن الحقيقة في كثير من الأحيان تكون مرة أو قاسية أو جارحة.
ورغم أننا بطبيعتنا نستشيط غضباً حين نكتشف أنه قد تم الكذب علينا، إلا أننا في الكذب حميد العواقب لا نملك أمام من كذب علينا وجعلنا نعيش تلك الحالة الوردية، إلا أن نُـكِنّ له بداخلنا امتناناً، قد نخجل أن نقوله له، وهو : \"شكراً، لقد كان كذبك حلواً..!!\"
سناء عزت أبو حويج
1 نيسان 2010