زاد الاردن الاخباري -
فتاة عشرينية مصابة بـ "فوبيا" الخوف من الشرطة لا تجرؤ على السير في الشارع العام ... رنّه العامر "العيش بلا جنسية" ظلمات وكوابيس، باتت لا تقض مضجع العشرينية رشا فحسب، بل إنها تحولت إلى عنوان دائم لحياة ملؤها المعاناة والخوف من الوصمة الاجتماعية وما يتبعها. ورغم ذلك تعيش رشا، المولودة لأب مصري وأم أردنية، على أمل يبتعد كل يوم، بالحصول على وثيقة تؤكد نسبها وتثبت جنسيتها، متكئة على عقد زواج رسمي صادر عن دائرة الأحول المدنية ويحمل اسم أبيها وأمها. وسوى شهادة ولادة لا تحمل رقما وطنيا وإنما آخر متسلسل، لا تملك رشا ما يدل حتى على اسمها، رغم وعود متكررة من جهات رسمية بمنحها "وثيقة مؤقتة" تؤهلها للحصول على أبسط حقوقها الإنسانية. وفي التفاصيل، فإن والد رشا لم يقيد في عقد زواجه من أمها سوى اسمه من ثلاثة مقاطع، ما يجعل من الصعوبة بمكان التعرف إليه، بحسب مصدر في السفارة المصرية بعمان أكد في الوقت عينه أن السفارة تبذل أقصى ما تستطيع من جهد مع السلطات المصرية المعنية للتوصل إلى حل للقضية. وإلى حين التعرّف إلى والد رشا، أو الوصول لحل قانوني آخر، قررت السفارة قبل أيام منح رشا "شهادة لمن يهمه الأمر"، تحمل صورة الفتاة وتدل على شخصيتها. ولذلك، فإن رشا، التي لا تجيز القوانين النافذة لوالدتها منحها الجنسية، ستعيش منذ الآن تحت عنوان جديد هو "لمن يهمه الأمر" يقول إنه جار البحث عن نسبها، وإلى حين التوصل إليه "يرجى تقديم التسهيلات اللازمة". وبحسب رشا، فإن ذلك يعد بارقة أمل في سعيها لحل مشكلتها، التي كانت حصلت على تعهدات "شفوية" من جهات رسمية أردنية بمساعدتها على إنهائها عبر منحها جواز سفر مؤقتا لمدة عام من دون منحها الجنسية، وهو الأمر الذي لم يتحقق أيضا حتى الآن. وفي سعيها لحل المشكلة، عاشت رشا أياما سوداء، لم تجرؤ خلالها حتى على الخروج لمطعم أو لشراء حاجية تلزمها من متجر قريب، خشية إيقافها من دورية أمن قد تطلب التحقق من هويتها. وتروي رشا الكثير من المواقف التي صادفتها في حياتها، ومنها أنها ذات يوم، وكانت حينها تقطن في محافظة العقبة، قررت التوجه مع صديقات لها إلى مطعم قريب لتناول طعام العشاء، وتمّ طلب هويتها من قبل دورية أمن وما تلا ذلك من صعوبة إثبات شخصيتها، دفعها إلى العودة إلى منزلها لتبيت ليلتها من دون عشاء. لكن النوم من دون عشاء أهون من غيره مما تعرضت له رشا، فهي "طردت" من المدرسة منذ الصف الخامس الأساسي، لعدم توفر وثائق رسمية تثبت هويتها وجنسيتها. رشا كانت قبلت وهي في التاسعة عشرة من عمرها الزواج من شخص متزوج أقنعها بأنه سيحل لها مشكلتها، وهو الأمر الذي لم يحصل، حتى تطلقت منه بعد ستة أشهر من زواجها من دون أن تحصل حتى على مهرها المسجل في عقد الزواج. وبعيون تجهل ما ينتظرها في الغد، تسرد رشا قصتها من ألفها إلى يائها، منذ أن تخلى والدها عن والدتها ليغادر الأردن عائدا إلى بلاده، بينما كانت رشا ما تزال جنينا في رحم أمها. ومنذ ولادتها تعيش رشا، ذات الواحد والعشرين عاما، "مجهولة ومطرودة من رحم الحياة التي لا ترحم" على حد تعبيرها. وهي تنفق على نفسها وتتعب وتكد في سبيل تأمين قوت يومها، ما دفعها للعمل في محل لبيع الأجهزة الخلوية تارة، وفي مطعم للوجبات السريعة تارة أخرى. ليس الرزق ما يؤرقها فـ"أمره إلى الله"، كما تقول، ولكن كل أملها ومبتغاها إثبات جنسيتها لتعيش حياتها بكرامة مثل أي إنسان. وبعيون غارقة بالدموع، تقول رشا التي تجهل ما معنى كلمة طفولة، إنها جلست بعد أن تم إخراجها من المدرسة في المنزل إلى أن بلغت الرابعة عشرة من عمرها . بعد ذلك، انتقلت رشا مع جيران لها في الحي حيث نشأت في الهاشمي الشمالي بعمان لتستقر معهم في العقبة، كما تروي بصوتها المتحشرج بغصة حزن يبدو أنها لا تنتهي. وتتابع بعيون زائغة ترقب المجهول، أنها عملت أثناء إقامتها في العقبة في محل لبيع الأجهزة الخليوية لعدة أعوام، "تعرضتُ خلالها لاستغلال من عدة أشخاص متذرعين بقدرتهم على منحي وثيقة أستطيع من خلالها متابعة حياتي كأي فتاة". وبعد أن عادت إلى عمان، تقيم رشا، التي تحمل ورقة من مختار عشيرة تثبت فيها اسمها، في سكن طالبات، بعدما اضطرت لترك عملها في أحد محال "الكوفي شوب" بعمان "بسبب أجواء العمل" وما تحمله من مضايقات لها، خصوصا وأنها كانت مدفوعة للعمل في نوبة مسائية بسبب عدم حملها وثائق رسمية تثبت هويتها وجنسيتها. وأمام واقعها المرير، تقول رشا "أنا غير العالم لم أحقق شيئا من أمنياتي. كم أتمنى أن أعيش طبيعتي كإنسانة على قيد الحياة. كم أتمنى أن يكون لي اسم تعترف به الحكومة". وبعد أن تجهش بالبكاء، تزيد "كم أتمنى أن أحمل خطا خلويا باسمي أو أتعلم القيادة، أو حتى الجلوس في حديقة عامة من دون الخوف من استفسار الشرطة عن سيرتي الذاتية التي أجهلها أنا نفسي". ومن واقع معاناتها تهرب رشا إلى الكتابة فـ"تحشر" نفسها بين السطور؛ لأن في الكتابة "متنفسا لي، إذ يكاد الليل ينتهي ويأتي النهار وتخرج العصافير من بيوتها وتغرد في السماء لتبحث عن طعامها، وتعود لتطعم أطفالها، وأنا بفراشي أفكر بجمالها وترحالها من مكان إلى مكان لترعى صغارها. برغم تعبها (...) يا ليتني أحلّق مثلها بعيدا (...) وبين الغيمات أغرد لحنا جميلا، حيث لا أرى البشر وغدرهم وقسوة قلوبهم، حيث لا مكان للظلم والشر والندم". الغد