زاد الاردن الاخباري -
كتب :علي السنيد- لم يكن الملك الراحل الحسين بن طلال، وهو يمخر عباب الطريق الصحراوي الى سواقه، وبرفقته حارسه الشخصي فقط، الا ويعرف قيمة هذا السجين الذي يتكلف عناء الذهاب اليه في سجنه، وليحمله بعد ذلك في سيارته الخاصة الى بيته في عمان، وليترافقا سويا طيلة الطريق، وكان الملك يقود السيارة وليث شبيلات الى جواره في فصل ربما لم يتكرر بمثل هذه الصورة في المشهد الوطني الاردني، وكان التاريخ يلتقط احدى صوره النادرة في الحياة السياسية الاردنية .
وكان الملك الذي وجد نفسه في مواجهة معارضة من نوع اخر ربما فاجأته بها الايام بعد ان كان ظن ان عهد الثورات، والانقلابات قد ولى بفرض الاحكام العرفية التي اعقبت مرحلة السبعينيات من القرن الماضي، وان الامر استتب له على صعيد الاردن مع وجود معارضة ناعمة لا تقوى سوى على الهمس، وفي هذه المرحلة كان ليث يقول "انا امثل احلام الشعب، ولا امثل يقظته".
ذلك ان المعارضة التقليدية كانت تقيم تحالفاتها العميقة مع السلطة، وتكاد ان تشارك النظام في صناعة التوازن الذي يلحق بالمشهد الداخلي، الا ان رجلا كان يرى ما خلف ضبابية الايام، وادرك بوعيه قادمات الاحداث، وتداعياتها، واسفرت رؤيته عن كشف مجريات هذه الايام التي نعيشها رأي العين، وقدم انذاك وصفة الحل، وطالب الملك في حينه بان يتخلى عن الملكية المطلقة التي هي وصفة كاملة للفساد، وكان اول من نبه الى ان النظام المستقبلي الذي يحمل سمة البقاء يتمثل بالملكية المقيدة ، ورفع الشعار مبكرا في بداية التسعينيات من القرن الماضي بضرورة الوصول الى الملكية الدستورية، ووجه حينها بالسجن، وكان نائبا مميزا في اقوى برلمان شهدته الحياة السياسية الثانية في الاردن بعدما استئونفت اثرانقطاع طويل كان البلد وضع فيه تحت الاحكام العرفية، ووقعت احداث عام 88 ليصار الى اطلاق الحالة الديمقراطية مجددا . انذاك وصفه رئيس البرلمان المرحوم سليمان عرار في ورقة تحتفظ بها ذاكرة ذلك البرلمان بقوله " انت يا ليث عندما تتحدث تغضب، وتطرب، اما يعقوب قرش فيغضب ولا يطرب" ، وجاهر ليث بضرورة تخلي الملك عن صلاحيات السلطات التي يحتكرها، ودعاه لتركها كي تمارس ادوارها الدستورية، فتحصل الحكومة على ولايتها العامة، والقضاء على استقلاله، والبرلمان ليصبح سيد نفسه، ويحتفظ الملك بموقعه الدستوري الذي يجنبه المسؤولية، وكي يتجنب الغضبة التاريخية المخبأة في بطن الاردنيين، ويخفيها تزييف واقعهم ، وليفصل الملك بين السلطات، وبين تدخلاته، وكان ان لفقت له قضية النفير، واتهم النائب ذو الصفة المدنية بتدبير انقلاب يقوده هو وزميله يعقوب قرش على الملك، وادخلا السجن، وتم استصدار قرار باعدامها. وكانت هذه فارقة ايضا في تاريخ البلاد حيث وجهت مثل هذه التهمة لاثنين من اعضاء البرلمان، والذين ليس لهما من خلفية عسكرية تذكر.
وفي تلك الفترة لم يكن ليث ينصرف الى مواجهة اصل البلاء كما يعتقد، والمتمثل بالملكية المطلقة فقط، وانما وضع اسس المحاسبة البرلمانية للفساد ، وكاد ان يودي بروؤس كبيرة الى السجن والقضاء، ومنهم رؤساء وزارات سابقين، وهو الذي رأس الهيئة البرلمانية التي شكلت لمحاسبة رموز الفساد في برلمان 89 الا ان انقلابا وقع في التوجهات السياسية، وقد شعر الملك الحسين ان لعبة الديمقراطية ستنقلب عليه فجرت الخطة بايجاد مخرج يجنب النظام انذاك الانصياع لرؤى واطروحات ليث الشبيلات التي كادت تقترب الى المستحيل في ميزان تلك الايام، والوعي السياسي القائم.
ووجد ليث نفسه بدلا من الفاسدين حبيس السجن، وكانت المرحلة التي تعمد فيها السجين، والتقى مع الموت على اثر مبادئه، وانتهى هذا الفصل بدفع ثمن الملكية الدستورية، واضطرار الملك الحسين الى اصدار عفو عام ادى الى تبيض السجون في حينها، وقد بدأت التفاصيل تغدو اكثر صرامة مع بداية انكشاف خيوط التلفيق دوليا في القضية المثارة حول نائب اتهم وزميله بالانقلاب على خلفية ارائه المعارضة للعائلة المالكة.
الا ان القوى السياسية المدجنة كما كان يصفها ليث باستثناء بعض الحالات الفردية هنا وهناك لم تدافع عن المطلب التاريخي للشعب الاردني، واعتبرته من باب التخيلات السياسية التي يمارسها الفتى الاسلامي ليث شبيلات. والذي كان بدأ حياته على قدر من التحرر كابن احد ذوات عمان ، ومن ثم ينحو نحو التصوف، والتدين العميق. وحيث شهد التربية الوطنية العميقة في منزل والده فرحان عبد ربه الشبيلات، ووالدته فريدة القطب، وكان اكثر ما تركه فيه والده من اثر تلك العبارات الحادة، وشديده الذكاء التي كان يواجه فيها المواقف السياسية المحرجة، وتشي بصدقه في قول كلمة الحق مهما غلا الثمن، وكان ذلك ما بوأه حظوة لدى الملك المؤسس عبدالله الاول ، والذي اولاه رئاسة الديوان الملكي، وعدة مسؤوليات ، وكان يقول "انا رجل كبير بالسن واريد فرحان شبيلات كي يضع حدا لوقاحة بعض الامراء، والاشراف" ، وينقل ليث مشهدا خاصا يعطي الانطباع عن التزام والده بالنسق السياسي المدار في حينه - حيث رجالات الاردن الكبار- بما جرى اثناء قيامه بشغل موقع السفير الاردني في واشنطن يقول: "كان والدي – رحمه الله- يقيم مؤتمرا صحفيا يتعلق بموقف الاردن من ما يسمى باسرائيل، فواجهه احد الصحفيين بسؤال حول اعتراف الاردن باسرائيل ليجيبه بالقول " هناك دولتان في المنطقة انا لا اعترف بهما الاردن واسرائيل"، فصعق الحضور ذلك ان يصدر مثل هذا الكلام عن سفير دولة يقول انه لا يعترف بها، فكان جواب السفير فرحان عبد ربه شبيلات " انا لا اعترف ببلد عمري اكبر من عمرها"، في هذا الجو الصريح ، والمشحون بالوطنية ولد ليث لعائلة تتكون من عدة افراد حمل اثنان من ابنائها اسم "طلال وزين" وقد جاء ذلك تمثلا باسم الملك طلال، والملكة زين، ولعل ذلك يشي بالقرب من العائلة المالكة، والذي استمر الى ان اندلعت احداث السبعين من القرن الماضي ليقف فرحان شبيلات ضد التدابير التي اتخذت بحق الفدائيين محملا المسؤولية فيما جرى للملك الحسين، وهو ما ادى الى اتخاذ القرار بانهاء وجوده في الحياة العامة في الاردن.
كان ليث الوجه الاخر لوالده في السياسية، وانطلاقة اخرى اطلقها الزمن الاردني الجديد، وقد قرأ تصاريف الايام وادرك بوعيه مأزق النظام الملكي، وحاول تجنيبه التداعيات الا ان يد الايام سلمته مرة اخرى الى سجن سواقه الصحراوي في حدث هز وجدان المجتمع الاردني، والذي كان يحاول انتشال وعيه من حفر الصمت والخوف، وحياد قواه السياسية، والاحزاب .
القى المهندس ليث في عام 1995 كلمة اعتبرت نارية في مجمع النقابات المهنية في اربد ، وتطرق فيها الى تجاوزات العائلة المالكة، وعدم اعتمادها الصلاحيات الممنوحة بحكم الدستور، واشار الى دور الملكة نور المخالف لنصوص الدستور، وهكذا كان السجن في انتظاره مرة اخرى لتوجه له هذه المرة تهمة اطالة اللسان، والتي رافقته لاكثر من مرة بعد ذلك، الا ان ليث كان يفتح شرخا في جدار الصمت الاردني، ويوجه الوعي نحو طريق الحل لبناء نظام سياسي اكثر قدرة على البقاء ضمن شروط، ومواصفات المستقبل.
ومرة اخرى يجد الملك حسين الذي عجن بماء الحنكة والدهاء نفسه في مأزق ليث شبيلات، وكان ينظر الى السيناريو الواجب تطبيقه في هذه الحالة ، وهو الذي يقول أي ليث "ان دخوله عالم السياسة كان على يد الملك الحسين الذي اختاره، وهو يشغل موقع نقيب المهندسين للمرة الاولى عام 1984 ليكون ضمن المجلس الاستشاري، الا ان اطلاعه على الدستور - وفقا له- صدمه من شدة مخالفات التطبيق، وحاول ان يطرح رأيه الذي اودى به الى السجن مرارا".
كان الملك حسين في زيارة الى بيت الامير محمد في نهاية حفلة خاصة ليجد والدة ليث فريدة القطب في حالة مغادرة فكان ان سلم عليها، وقبل يدها كعادته، ثم اخذ في سؤال زوجة الامير محمد عنها، والى ذلك يجري اتصالا هاتفيا بها ويخبرها عن نيته بزيارة مخصصة لها في بيتها، وفعلا تمر عدة ايام لتجده في زيارتها كما وعد، وبعد مجاملات اقتضاها الموقف يسـألها الملك عن أي مطلب تريده منه، وهو بذلك كان يفتح لها باب الحديث لتطلب الافراج عن ابنها السجين الا انها لا تفعل، وفي مرة اخرى يوجه الملك لها ذات السؤال عن اية رغبة تود منه تحقيقها ، فتخبره باجابة واحدة "سلامتك"، وعندما الح في الثالثة اجابت "نعم اريد وارجو ان تبعث لي باحدى صورك" فرد عليها الملك مذكرا لها " ان صورا عديدة له عندها"، عند ذلك اشارت الى انها ترغب بصورة له بالشماغ الاردني، ويغادر الملك وهو يشير الى مرافقه بان هذه العائلة هم اناس محترمون، وفي مساء ذلك اليوم يتوجه الملك الى سواقة وحيدا سوى من مرافقه، ويلج السجن في واحدة من فصول دهائه حيث نقل الصراع هذه المرة من مستوى الاجهزة الامنية، والسجون الى الحوار المباشر ، ويصل السجن الذي كان في حالة صمت، ويمارس دوره المعتاد من خلف ظهر المجتمع، وضميره.
كان الوقت مساء، ولم يكن مدير السجن حاضرا ، وانما نائبه الذي هاله حضور الملك شخصيا والطلب منه احضار ليث الشبيلات الى غرفة الادارة التي جلس فيها منتظرا قدومه، ويصل الى غرفة ليث نائب المدير طالبا منه مرافقته الا انه اعتذر وارجأ ذلك الى ما بعد اذان المغرب كونه كان صائما في ذلك اليوم، ولم يكن بمقدور نائب المدير ان يخبره بان الملك يقبع في انتظاره في غرفة الادارة، الا انه انصاع بعدم اخباره خوفا من ان يتسرب خبر وجود الملك في السجن، ويحدث بلبلة بين السجناء، ويعود الى الملك ناقلا اليه طلب ليث التريث الى ما بعد اذان المغرب، وفعلا ينتظر الملك، حتى اذا ما تأكد من تناوله طعام الافطار يصار الى طلبه لغرفة الادارة ليتفاجأ ليث بوجود الملك شخصيا في انتظاره، يقول "كانت في مشيتي عرجة خفيفة فلاحظها الملك الذي بادرني بالسؤال عن السبب" فقلت له "المرض يزحف علينا" ، فأومئ بالموافقة قائلا "يزحف علينا كلنا"، وبعد ذلك يطلعه الملك عن ان النية قد ابرمت باطلاق سراحه في عفو ملكي، وانه سيرافقه في رحلة العودة الى عمان، عند ها يطلب ليث من الملك ان يأذن له بالعودة الى مهجعه كي يودع زملاء السجن، وفعلا يأذن له على مضض هذه المرة يقول فبادرته " يا سيدي تستطيع العودة اذ لا يليق ان يبقى ملك بطوله وعرضه في انتظاري" الا ان الملك يصر على مرافقته له في رحلة العودة الى عمان، ويضيف ليث انه غادر غرفة الادارة، وهو يسمع الملك يطلب شرب الشاي، وبعدها بلحظات يعود اليه سائلا عن نصيب زملائه المعتقلين الاسلاميين من هذه التوجهات الملكية، فيخبره الملك الحسين ان الامر سيكون قيد الدراسة، وبعد ان انهى وداع زملائه يشاطر ليث الملك المقعدين الاماميين في السيارة وكان الى جانب الملك الذي فضل ان يقود السيارة بنفسه، ويبادر الملك ليث بالسؤال " ها... ابو فرحان خلص"، فيجيبه ليث بدوره " سيدي انا اشغل مدير جمعية مناهضة الصهيونية، والعنصرية، وشغلت موقع نقيب المهندسين، ونائبا في البرلمان، وانا اقدم لك النصح فلو رأيت "غبرة" على طرف جكيتك سأقوم بنفضها، ولن اتركها، ولو رأيت سحابك فاتحا فسأشير اليك لتغلقه خوفا من ان يرى الناس الخلل، وهذا دوري" عندها هز الملك رأسه، يقول ثم اضفت " كيف يا سيدي تقبل ان تضع يدك بيد حسين كامل فهل هذا الهامل يستطيع اسقاط صدام حسين"، ثم ان رؤساء وزرائك يورطونك بقولهم في رسائل استقالاتهم، "وما انا الا عبدا من عبيدك، التزم باوامرك ونواهيك"، وهو بذلك يحملك المسؤولية، وهذا عبد السلام المجالي جئت به كي تلوثه بالسلام فأنسل منه واراد تلويثك، وعندما ننتقد هذا الامر يظهروننا وكأننا نسب الملك فهل يا سيدي جعلتك الاجهزة الامنية الوجه الاخر للصهيونية"، عندها قال الملك "هذا قدري"، ويواصل ليث الى ان الحديث الذي وعد الملك بمواصلته في جلسات اخرى- وهو ما لم يحدث بعد ذلك- تطرق الى القضاء، وقال " اخبرته ان قضية قد تأخذ حكما بعدة اشهرفيما لو وجدت واسطة، ويمكن لها ان تصبح عشر سنوات بدون الواسطة، وعندها قال الملك متساءلا " لعل الحصانة على القضاة هي السبب " قال فأجبته "ان الحصانة على أي مؤسسة او فرد هي مفسدة" - وفقا لليث-.
وهكذا انتهت رحلة العودة دون الوصول الى اية ارضية مشتركة للتفاهم، وهو ما كان يشي بانقطاع الامل بوقوع التسوية المعتادة في الحياة السياسية الاردنية بين مختلف القوى، والنظام السياسي.
وتمضي الايام وتشتد حركة الجنوب في عام 1998، وتحدث الاضطرابات، وتنذر الحالة الشعبية المتفاقمة بالانفجارات ، وقد ترافقت مع الحالة العراقية ، وكانت الايام الاردنية حبلى، ويتهم ليث كالعادة بكونه احد عوامل التفجير الشعبي في معان، وربما ان هذا التوصيف يصلح لقراءة الحالة الخاصة بليث، وهو ادق ما كانت تطلقه عليه توجان الفيصل بالقول "ان ليث يمثل باروميتر الشارع، وعندما يتحرك فهو يقيس الحالة الشعبية وعندما ينفجر يكون ذلك مقدمة الغليان"، ويضم السجن ليث للمرة الثالثة، ويأتي العفو ايضا للمرة الثالثة الا انه يقابل هذه المرة بالرفض من قبل ليث نفسه، وهي سابقة ايضا في الحياة السياسية الاردنية، ويصمم ليث على قضاء مدة سجنه، وهو يعلن بذلك حالة طلاق بائنة كانت تتبلور بينه وبين اية امال في التغيير الممكن، والذي كان سيجنب البلاد ما تواجهه اليوم من تداعيات خطرة تقوم في مجملها حول اتساع صلاحيات الملك، والتي سمحت بنمو حالة من الفساد، والاثراء غير المشروع في مقابل افقار شعب بالملايين يتضور جوعا، وظلما ، وهما، ونكدا في الحياة.
وتأتي نهاية امال التغيير السلمي مترافقة مع نهاية عهد الملك الحسين حيث تضع يد القدر مجريات الفصل الاخير في حياته، ويفضي الى خالقه، والقضية عالقة، واسباب الانفجار كامنة كما حذر ليث مرارا ، وكان يعتقد ان وجود جهات شعبية تمارس الصلاحيات الدستورية يجعل الملك بمنأى عن المحاسبة، ويجنبه المسؤولية من وقوع الاخطاء، وهو ما يؤدي الى الاستقرار . اذكر حينها انني كنت مديرا لمكتبه وقد نقلت اليه نبأ وفاة الملك الحسين الرسمي، فقال "يرحمه الله" ، وفي مراسم اداء العزاء اخبرني انه طلب من اخيه غيث ان ينفصلا عن جموع المعزين المتهافتين على السلام كي يقوما بقراءة الفاتحة على قبره فذلك افضل له".
وفي العشرية الاخيرة تكفلت الحالة الاعلامية المحلية بعزلة عن التأثير، وكان يطل بين الحين والاخر عبر بعض الفضائيات العربية، لينوه الى خروج النظام عن مساره فيواجه بالتهديد والوعيد، وقد خفض النظام الملكي مستوى التمثيل مع ليث الشبيلات الى البلطجية، فحدث ان ضرب في مخبز صلاح الدين بعد ان اشار الى قضية واجهات العشائر التي اتهم فيها الديوان الملكي، والاراضي التي سجلت باسم الملك عبدالله شخصيا، واعتبرها في حينه قنابل موقوتة توضع تحت العرش، وهي فعلا ما اصبحت بعد سنوات قليلة مدار الصخب الشعبي، والاعلامي، وفتحت المجال واسعا لتطال المطالب متعلقات كثيرة خاصة بالعائلة المالكة، ولعل نظرة واحدة على الشارع اليوم، وسقف الشعارات التي ترفع فيه تشير الى تجسيد نضالات ليث شبيلات في هذه المرحلة، والتي كان افتتحها برسالة النصح الشهيرة الى الملك عبدالله، وكان يسير في ذات السياق القاضي بفصل الملكية عن ممارسة الادوار السياسية مخافة ان تلحقها المسؤولية، وكي لا يتحول الحكم الى رئاسي ملكي.
اذكر في بداية تسلم الملك عبدالله الثاني مقاليد صلاحياته الدستورية ان توجان الفيصل حضرت الى المكتب وكانت طلبت لقاء ليث على عجل، فرتبته وفق رغبتها، وعندما جمعها اللقاء مع ليث كنت حاضرا، وقد بادرته بالقول " هنالك ما يتردد في عمان ونقلا على لسان فايز الطراونة ان الملك طلب لقاءك يا "ابو فرحان" في الديوان الملكي، وبعد انتظار اخبرك بعدة كلمات ان اسلوبه يختلف عن والده ، وقال انا اذبح، واشار بيدة الى رقبته"، وقد طلب مني المهندس ليث ان اجيبها على ذلك فأخبرتها ان كافة لقاءات ليث واتصالاته تتم عبر المكتب الذي اديره، وهو لا يحمل تليفونا خليويا انذاك، ولم يحدث مثل هذا اللقاء، وربما انه من بنات تخيلات افكار فايز الطراونة".
الا ان ليث كان في حفظ الله، غير ان تجربة البلطجية جرى تعميمها مع الحراك الشعبي، وفي هذه ايضا يكون قد وضع حجر السبق في هذا الامراردنيا .
ليث شبيلات كان سباقا في الدعوة للحفاظ على العرش من نفسه، ودعا الى تطهير البلاد من الفساد، والمفسدين، والى اعادة السلطات المنهوبة الى الشعب كي يكون سيد نفسه، وكان شعاره الكبير بالمناداة بالملكية الدستورية، وكانت القوى السياسية والاحزاب التي تقفز اليوم على المرحلة، وتريد ان تقطف الحراك الشعبي العفوي، تقف متفرجة، وربما متخلية عنه في عز الظروف القاسية، والمحنة، ومن ذلك اذكر احدى تصريحات زوجته الراحلة ريما شبيلات عندما قالت في معرض سجنه " اين انتم يا اصحاب اللحى".
وهو اليوم يتجسد فكرا ورؤية واقعية في هذه المرحلة، وربما انه منطق التاريخ، ووعد الله الصادق القائل " ولينصرن الله من ينصره". صدق الله العظيم