سؤال كنت أسأله نفسي كثيرا وأنا طفل وأستبعده، "فالرجال لا يبكون" كما كان يقال لنا، حتى جاء يوم اصطحبني فيه والدي رحمه الله إلى صديق له يعمل مديرا لأحد المراكز الأمنية خارج الأردن، وأدخل علينا شاب قد تحرش بفتاة فحكم عليه الضابط بالجلد، وتم ضربه بعصا غليظة أمامي فبكى دموعا غزيرة، ومن يومها تيقنت أن الرجال يبكون.
وظل مستقرا في بالي أن الرجال يبكون إذا ضربوا أو عذبوا أو تألموا، ولكن عندما شببت وعركتني الحياة وتجاربها قليلا أدركت أن الرجال يبكون أيضا إذا ظلموا ظلما مرا أو قهروا قهرا عظيما.. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما دعا فقال:" اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال".
كتبت في إحدى قصائدي:
لا تعذليــه وكيف يعذل من في جوفـه الأحشـاء تستـعر؟!
لا تعذليــه إذا بكى يومــــا دمعاً سخـين القـرح ينـحـدر
دمعـاً على الوجنـات منسكباً جمـراً لظىً بالشـوق ينـهمـر
تبكي الجواري في الخدور فهل يبكي الرجال؟! نعم .. إذا قهروا
ولا ينسى التاريخ كيف بكى قائد البشرية صلى الله عليه وسلم أسد الله وأسد رسوله سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وقد مثل به المشركون، فبقروا بطنه وجدعوا أنفه وقطعوا أذنه ولاكت هند بنت عتبة كبده فلفظتها، فقال صلوات الله وسلامه عليه:"لم أصب بمثلك أبدا"، ومر على نساء الأنصار يبكين قتلاهن فقال قولته الشهيرة:"وأما حمزة .. فلا بواكي له".
أما حال الأمة اليوم يبكي الكافر كما يقول المثل، فحاكمة الأرض -الولايات المتحدة الأمريكية- تنشىء مدينة للكلاب الضالة، تعالجها بيطريا ونفسيا، و"مستر جون" وهو بالمناسبة كلب متخلف عقليا ولا يسيطر على أمعائه في الوقت المناسب ويمشي ثملا مترنحا يخصص له ثلاثة أخصائيين نفسيين وبيطريين وينتج عنه فيلم وثائقي طويل لمتابعة حالته والبحث عن بيت أمريكي يتبناه، وآلاف الباكستانيين والأفغان في منطقة القبائل وهم بالمناسبة من البشر يقصفون في أعراسهم ومدارسهم ومساجدهم وغرف نومهم وأسرة أطفالهم، ومئات الآلاف من الفلسطينيين في غزة وهم بشر أيضا تسكت الولايات المتحدة الأمريكية عن قصف مدارسهم بالفوسفور الأبيض وتؤيد حصارهم المميت، حتى إن أيا من أطفالهم الرضع لا ينال من الرعاية الغذائية عشر ما يناله "مستر جون"!
بعد كل هذا .. ألا يحق للرجال أن يبكوا؟!
تبكي الجواري في الخدور فهل يبكي الرجال؟! نعم .. إذا قهروا
المهندس هشام خريسات