في اليوم الأول من نيسان فجعت كما فجع كل من يعرف ذاك الرجل بفقدانه ومن مثله من يفتقد, عرفت هذا الرجل منذ فترة قليلة وتمنيت لو كنت اعرفه من ذي قبل وان كنت اعرف عنه الكثير ولكنها لم تكن وجها\" لوجه, شاهدته منذ فترة وجيزة كان شيخا\" طاعن بالسن كله وقار دماثة أخلاقه تجبرك أن تقف له إجلالا\" واحتراما\", حين ينطق يصمت الجميع لا لعلو صوته بل لتلك الدرر التي تخرج من فيه رجل موسوعة في كل شيء, القانون حين يتحدث به يقف رجال القانون أمامه وجلين بما يملك من ارث في ذلك لأنه من علمته السنين فاق به من علمتهم الكتب. خطيب مفوه الكلمات تتساقط تباعا\" كل واحدة يفوق إبداعها من سبقتها, يتكلم العربية بطلاقة يعجز عن مثلها من خرجته أفضل الجامعات بدرجاتها العليا, كل كلمة يعطيها حقها من العربية نحوها صرفها كل ما تحتاجه من فنون اللغة العربية يحفظ التراث القديم حكمه وأمثاله معلقاته وأشعاره فيما عداها, الرجل في دار الحق وأنا ما سأقوله به هو الحق تجالسه الساعات الطوال تشعر أنها دقائق وترغب بما يضاهيها أضعاف مضاعفة لأن كلامه له حلاوة وعليه طلاوة, يجبرك الفصيح من قوله آن تبقى صامتا لأنك لا تملك إلا أن تسمع ويعتريك الخجل آن تتحدث خوفا\" أن لا ترقى بكلامك لما يجود به أو يضاهيه .
رحل أبو عطية وهو احد رجالات الأردن ومن كبار شيوخ أبناء بئر السبع عشق الأردن وقلبه يرنو إلى فلسطين انه نموذج الوحدة الوطنية حين يتحدث عنها الغير قولا\" لا فعلا\", رحل عن هذه الدنيا الفانية وحل بالدار الباقية واعتقد أن سيجد بها طيب مكرم لأنه في دنياه قدم كل ما يحسب له ولن يجد ما يحسب عليه بإذن الله، كان يملك إصلاح ذات البين بمعناه ليس كما يدعيه الآخرين وهم منه ببراءة, ما وصلته قضية إلا كان حلها لديه, فملك محبة الجميع, كل من عرفه ولو للحظات تعلق به لأن له جاذبيه عز نظيرها.
تداعى الجميع لوداعه غصت جنبان الطرق بمودعيه لم يبقى في المسجد ركن لم يصلى عليه منه, قلوب الجميع تفطرت عليه وتنظر للعيون وترى المدامع حجزتها المآقي صلابة الرجال هي التي منعتها فالفقيد تتفطر عليه القلوب وعليه تدمع العيون, الجميع أغدقه بالدعاء فهو من يستحقه لأن له في رقبة كل من شيعه دين محبة سجلها من مجالسه التي هي مدارس تعلم منها الكثير, ومن كانت له قضية واسهم بحلها أو أسدى له خدمة لم يطلب مقابلها إلا من رب العباد فكانت له في مثل هذا اليوم, كما لم يبقى موقع في المسجد فان المقبرة حالها كحال سابقها كلها تودع رجل أدى ما عليه في دنياه وأجزل, كان للخير عنوان وللإصلاح تبيان والبلاغة وطلاقة اللسان يشار له بالبنان .
كل ما يقال في هذا الرجل لا يفيه حقه لكن هذا قضاء الله وقدره فالموت حق لو كان من ناجي لنجا منه أفضل الخلق, ولا نملك إلا أن نقف ضارعين للمولى في علاه أن يرحمه وييسر له طريقا\" للحنة كما يسر طرقا\" كثير للناس طرقوا بابه بمظلات كان من يملك حلها وان يشفع فيه أناس لهجت ألسنتهم بالدعاء بأن يغفر له وان ينزل عليه شأبيب رحمته ويغسله من خطاياه كما يغسل الثوب الأبيض, لك الرحمه شيخنا الجليل ولنا ولمن أصيب بك الصبر والسلوان انه سميع مجيب وبالإجابة قدير.