توجهات لدى المغتربين الاردنيين باللجوء لمحكمة العدل العليا لمقاضاة الحكومة بعث وزير التنمية السياسية برسائل متواترة لنحو 600 ألف مواطن أردني مغترب، تفيد بعدم حاجة الوطن لهم في المشاركات السياسية التنموية المقبلة التي تتصدرها الانتخابات العامة، فيما بدا الوزير غير مكترث بما حملته بطون الأنظمة والقوانين الأردنية وعلى رأسها الدستور في تأكيدها على حق مكتسب لا يجوز إسقاطه. وكأن لسان حال الوزير موسى المعايطة يلهج بالقول إن فشل الإجراءات الرقابية ودور السفارات وأنظمة الحكومة الالكترونية - التي تشدقنا بها طويلاً - تمثل عناصر فشل عجزت عن إدماج أبناء الوطن بالخارج بهموم بلادهم وتطلعاتها. وما يزيد الطين بلة، حديث الوزير عن ضعف متزايد للحكومة حال ظهور نتائج انتخابات مغايرة للنمط السائد، إذ يبدي توجساً من تعرض كبد السلطة التنفيذية لنبال اتهامات أصحاب المصالح بتزوير التجربة الانتخابية، فيما لو كان للمغتربين بصمة فيها. تنضح هذه الأقوال ضعف طرح وعجز بناء منهجية مقنعة وتجاهل تام لتجارب الغير، كما تعكس انجذابا عاما نحو الضغوط المصلحية التي لا تنفك عن قبول غير سيطرة قوى تقليدية رجعية متكررة موسومة بأجندة مهترئة ذاتها من ارتأى فيها جلالة الملك عدم إمكانية تحقيقها المنشودة من الآمال، ما دفع جلالته لحل البرلمان الأخير والدعوة لبناء قانون انتخابي نموذجي أكثر حداثة يراعي توسع رقعة تطلعات الوطن وآمال أبنائه. ليصدقنا القول موسى، فهل يظن أن هؤلاء المغتربين زائدة دودية يمكن استئصالها والتخلص منها أنّا شئنا، وليحدثنا عن مساهمة وزارته ومجالس نيابية سابقة عجزت عن تحقيق تنمية شاملة كالتي قدمها أبناء الوطن في الخارج لأشقائهم وأبنائهم وذويهم فضلاً عن محل جيرتهم، وهي مساهمات غطت بظلالها شؤون اقتصادية واجتماعية وتعليمية وأخرى إنسانية، وليقنعنا المعايطة بمصير تردي موقعنا على خريطة جهود تنموية مماثلة لبلدان عربية فقيرة وأخرى غنية، ما انفكت عن جذب أبنائها والوصول لهم في مواقعهم لمنح التجارب التشريعية زخما وقيمة إضافية تتماهى فيها تجاربهم بخبرات وطاقات اكتسبوها في سفرهم وتعاطيهم مع أجناس وألوان شتى. ألا يخشى الوزير أن يفتح محرومون من المشاركة السياسية صفحات الدستور كمدخل قانوني يقاضون عبره متخذي قرار ومنتفعين يمنعوهم من ممارسة حق مكفول، وهل يدرك المعايطة مدى تعارض تصريحاته مع كتاب التكليف السامي للحكومة الراهنة الذي يؤكد على أهمية فتح الباب أمام جميع المواطنين للمساهمة في بناء وطنهم وحشد القدرات اللازمة لتحقيق رفعته ومنعته. بالفعل، فإن لدى كثيرين توجهات نحو مقاضاة من تجنوا على الحق الدستوري مستندين لنص بارز في هذا قانون سامٍ يقول إن الأردنيين أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين، ما سيدفع البعض للجوء لمحكمة العدل العليا صاحبة الاختصاص في النظر بطعون يقدمها متضررون من جراء المخالفات الدستورية تلك. وفي حال رغب المعايطة وآخرون تبرير هذه التوجهات ضمن قنوات تتسم بالشفافية، فليقوموا بإعادة تصنيف الأردنيين تبعاً لأسس غير دستورية أيضا، إذ بات بمقدورهم اللجوء لوكالات تصنيف دولية يمكن لها أن تعيد ترتيب مواطنة الأردنيين وفقاً لصنوف ودرجات شتى تنخرط ضمن قوالب تفصّل على مقاسات ضيقة، عوضا عن إقرارهم بالضعف المستشري لمؤسساتنا وسفارات كان من المفترض أن تقوم بدور مساعد في هذا الشأن الانتخابي لإمداد البرلمان المقبل بدماء جديدة تنهض بمسيرة تواجه تحديات جسيمة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. والغريب في تلازم الأحداث أن الأردن فتح الباب لجميع العراقيين بالمشاركة بانتخابات بلادهم عبر مكاتب اقتراع مختلفة المواقع في المملكة، كما تم التعهد بعدم التعرض للمقيمين غير الشرعيين من أبناء الرافدين في هذه التجربة التي برهنت نجاحها رغم استمرار مآسي احتلال قطع أوصال جذور أعرق حضارة عالمية، فكيف يمكن أن نشهد تجربتين متناقضتين إحداهما تخص بلداً محتلا والآخر ينعم بالاستقرار والأمن والولاء لقيادة واحدة. يعلم المعايطة كما يعرف كثيرون غيره أن الآف الأردنيين في الخارج لا يحملون أجندات سياسية أو انتماءات مشتبهة، كما يعلم حق اليقين أن هؤلاء يحملون في صدورهم هماً وطنياً خالصاً لا تشوبه رواسب سوى بعدهم على ثرى وطنهم، لكنهم لا يريدون عودة قوى تقليدية لمجلس يشرع لخارطة طريق مستقبلهم، إذ باتوا بحاجة لتغيير مبني على أسس حداثية يقاس من خلالها الانجاز من جنس العمل وليس الانتماء المدعّم بمصادر المال والنسب والقبيلة، فمع إقرارنا بأهمية تلك العناصر جميعا، غير أن متطلبات المرحلة تقتضي الالتفاف على قاسم مشترك واحد يدمج حب وخدمة الوطن بالانتماء لقيادته، وما دون ذلك مسائل تستوجب المراجعة. تهميش دور الأردنيين في الخارج يعكس مزيدا من التردي السياسي والتنموي في المملكة بقيادة حكومات متعاقبة أصبحت مصدر وبال وعقاب لأبناء الوطن عوضاً عن قيامها بدور تنموي يرقى بالبلاد والإمكانات المتاحة لدى أبنائها. * أردني مقيم بدولة قطر