** في الوقت الّذي بدأت فيه رائحة الفساد ( تفوح ) من بعض البلديّات في المملكة أعلنت بلديّات أخرى إفلاسها , أو أنّها ستصبح عاجزة تماما عن دفع رواتب موظفيها أو القيام بأي خدمات أساسيّة لمواطنيها بما فيها خدمات النّظافة العامّة .
إذا أصبحت البلديّات وهي الّتي تمثّل الحكم المحلي في الأردن آيلة ( للسقوط ) ,أو متخمة بالفساد والنهب والتلاعب ,أو غير قادرة على القيام بمهمّاتها الرّئيسيّة , أو أنّها أصبحت وسيلة ( للتكسّب ) فقط لبعض أولئك الّذين وصلوا إليها بطريقة أو بأخرى بعد أن دوّنوا في ( أجندتهم ) الخاصّة قيمة الفوائد والعمولات والأتعاب الّتي سيحصلون عليها من وراء الأبواب أو من داخل ( الكواليس ) الّتي تتحوّل غالبا إلى ممرّات سريّة يعبرها معظم الفاسدين والمتنفّعين ... إذا أصبحت كلّ هذه البلديّات ( مقرّات ) للعجزة والعاجزين, وظلّت على هذه الحال , فإنّ وجودها أكثر ضررا من عدم وجودها , وينبغي إزاء ذلك تكليف دوائر حكوميّة أخرى القيام بتنفيذ أو تقديم الخدمات الّتي يجب أن تؤدّيها البلديّات في وضعها الطبيعي , وستكون تلك الدّوائر بما فيها الأشغال والزّراعة والصّحة والهندسة والبيئة والنقل قادرة بشكل أفضل نوعا ما على توزيع الخدمات إذا ما توفّرت لها الظّروف القانونيّة والفنيّة والماليّة المناسبة بينما تتحوّل البلديّات إلى مجالس متابعة تكون مرتبطة بالمجالس الإستشاريّة في المحافظات ... ولكن هل يجوز أن يتخلّى الأردن عن خياره في تعزيز المشاركة الشعبيّة في صنع القرار المحلّي والّتي تعبّر عنها المجالس البلديّة المنتخبة في جميع مناطق المملكة ... أو هل يجوز أن يؤدّي ( الفساد ) الّذي إخترق بعض البلديّات , أو الخلل ( الطارىء ) الّذي أصاب بعضها الآخر إلى التخلّي عن الخيار الدّيمقراطيّ والتنمويّ الّذي يفترض أن تعبّر عنه هذه المجالس ,فإذا كان من غير المعقول أن ( تغلق ) البلديّات أبوابها وتجيّر أدوارها وخدماتها إلى دوائر ومؤسسّات حكوميّة أخرى , فإنّه لا بد من إتخاذ قرارات جريئة جدّا لإستئصال سرطان الفساد الخبيث الّذي أخذ ينتشر في هذه البلديّات , والعمل على تصويب أوضاع البلديّات المتعثّرة ماليّا وإداريّا بعد الوقوف على الأسباب والظروف الّتي أدّت إلى كلّ ذلك .
وبالرغم من أنّ قرار دمج البلديّات الّذي إتخذته الحكومة منذ سنوات قد ساهم في تشكيل ( العجز ) في بعض هذه البلديّات الّتي أصبحت بموجب هذا القرار تضمّ مناطق كثيرة ومتباعدة تثقل كاهلها وتجعلها غير قادرة على الإنجاز وتوزيع خدماتها بشكل عادل , إلاّ أنّ ثمّة بلديّات ( كبرى ) وذات مصادر دخل وإستثمار ( متعدّدة ) باتت مصابة بالشلل أحيانا إمّا لإنّها أصبحت عرضة للفساد والنهب والتكسّب , أو لإنّها أصبحت ( مترهّلة ) ومثقلة بالدّيون والموظّفين والمحسوبيّة ... فهل يعقل أن يتجاوز عدد الموظفين في بلديّة واحدة أربعة آلاف وتكون عاجزة عن ( ترقيع ) شارع واحد , أو هل يعقل أن يكون ثلث هؤلاء الموظفين في عداد الأموات والمفقودين والنّائمين داخل بيوتهم , وأن يتحوّل الثّلث الثّاني منهم إلى ( جباة ) يجوبون الشّوارع والأسواق والحارات لتحصيل الأجور والغرامات , فيما تغرق البقيّة المتبقّية منهم في نوم عميق ... وإذا لم تبق بعض البلديّات ولا تذر وقامت بتأجير شوارعها وأرصفتها وأنفاقها وأدراجها ومجمّعاتها ومئات الأكشاك والبسطات وحتّى أسطح العمارات مقابل مبالغ ضخمة جدّا فلماذا تقف أحيانا ( عاجزة ) عن شقّ وتعبيد شارع أو شارعين ؟ .
وأتساءل أين وصلت المخطّطات الشموليّة الّتي أشغلتنا بها الحكومة السّابقة وماذا غيّرت من الواقع ( المؤلم ) للبلديّات , وهل تستطيع الحكومة الحاليّة أن ( تنسف ) كل الأسباب الّتي أوصلت البلديّات إلى هذا الوضع ( المزريّ ) أم أنّها ستظلّ منهمكة وغارقة في التصريحات والتلميحات ؟؟.