في الأردن لدينا هوس باستخدام لغة الأرقام والإحصاءات ، فعلى صعيد الحكومة يخرج علينا بعض المسئولين بأرقام عن مستوى النمو الاقتصادي ، أو عن نسب البطالة ، ومعدلات التضخم في الاقتصاد ويتلاعب المتحدث باسم هذه الوزارة أو تلك الدائرة بهذه الأرقام حينما يتحدث للعامة عن مخفض الناتج المحلي الإجمالي ، أو عن الأرقام المطلقة ونسبها المختلفة عن معدلات التضخم الحقيقية والاسمية ، ويزيد الطين بلة أنه يتحدث عن الدين العام ويربطه بمتغيرات لا تمت له بصلة من بعيد أو قريب وهذا ليس بغريب أو بعيد عن واقع صحافتنا الاقتصادية .
كما قد يخرج علينا بعض الكتاب الذي مارسوا الاقتصاد بالخبرة وعبر الصفحات الورقية ممن لا يميز معظمهم بين GDP و GNP ، أو حتى أنه قد لا يعلم المدلول الأساسي الذي يبرر استخدام مخفض الناتج المحلي ، وما هو الفرق بين قوة العمل وبين العاملين في الاقتصاد ، وكيف ومتى يحسب معدل البطالة .
لا أقصد من هذا الكلام الانتقاص من رأي أي مجتهد أو من جهود أي متبرع بمعلومة ، ولكن للتوضيح فإن لعبة الأرقام لم تعد تجدي نفعاً ولا حتى أيضاًَ مؤشراتها الاقتصادية في الحكم على الواقع والحياة الاجتماعية التي نعيشها .
مهما اختلفت الأطروحات في تقدير معدل النمو الاقتصادي سواء كان 4% أم 3.8% ، ومهما اختلفت أرقام تقدير عجز الموازنة سواء كان 400 مليون أم وصل إلى 1.1 مليار دينار ، ولا يهم إن وصلت تقديرات معدل التضخم إلى 3% أو كانت 12% ، لأن هذه التقديرات والاختلافات التي تحدث في تلك الأرقام تعود إلى طبيعة الأساليب الإحصائية المستخدمة في التقدير ، والبيانات التي تم استخدامها في ذلك ، وهي ليست بالضرورة _ أي التقديرات - أن تكون خاطئة أو صحيحة ، وإنما يجب اعتبارها مؤشر على الورق يمكن استخدامه للدلالة على واقع مستقبلي ، ومن الأفضل عدم الركون إليها في بناء استراتجيات اقتصادية- اجتماعية للمستقبل .
المتغيرات الاقتصادية كثيرة جداً والبيئة الخارجية المحيطة بالاقتصاد مليئة بالأحداث والعوامل التي تقلل من قيمة أي تنبؤ أو تقديرات للأرقام وللمؤشرات الاقتصادية المختلفة ، فكم من هذه التقديرات كانت خاطئة وحتى بعض الأرقام الفعلية تم إعادة حسابها بطريقة سببت وجود فروقات بين الفعلي والمقدر .
ما يهم في هذا المكان هو القيام بجولات ميدانية في كافة المدن والمحافظات الأردنية التي تبتعد عن عاصمة المال والسياسة ، كتلك التي قام بها برنامج \" ستون دقيقة \" يوم الجمعة الماضي ، لنعرف أن هناك فقر مدقع وحالة من الجوع المزمن والبطالة بين أبناء وسكان تلك المدن ، ولنعرف أيضاً أن هناك استغلال وشجع قائمة من قبل التجار ، وهناك لسعة من التعب والإرهاق التي تسود وجوه الأردنيين ، ودرجة عالية من التشاؤم تسيطر عليهم .
لذلك فمهما كانت نتائج نظام الإنذار المبكر في وزارة التخطيط إلأ أنها تبقى حبر على ورق وحتى لو اتفقت أو اختلفت مع التقديرات والتوجهات الاقتصادية للسياسة المالية ، فهذا يدعم من تدني أهميتها من الناحية العملية التطبيقية ومن نتائجها في بناء استراتيجيات تنموية اقتصادية اجتماعية مستقبلية .
الدكتور إياد عبد الفتاح النسور
جامعة الخرج
Nsour_2005@yahoo.com