المتابع للعملية التعليمية في الأردن لا بد وأن يعلم أن هناك مشاكل تواجهها هذه العملية في محاور كثيرة. ولا بد أن يلاحظ أيضا أن طريقة عرضها ومناقشتها ليست على المستوى المطلوب، أو على الأقل تشعرك أنها لا تؤخذ كوحدة واحدة متكاملة بل هناك محاولات متعددة لإطفاء بعض الحرائق المشتعلة هنا وهناك ولكن لا أحد يبحث عن مكمن الشرر...
ربما كان من الأفضل بداية أن نحدد المفاصل التي تشكو منها العملية التعليمية . وهنا لا يخفى على أحد وضع المعلم الاجتماعي والمادي المتدني . ولكن هناك أيضاً العملية التعليمية المتدنية في القطاع العام والتي نقلت التعليم الجيد من القطاع العام إلى القطاع الخاص بعد أن كانت الأمور معكوسة كلياً قبل عقد أو عقدين من الزمن... وهناك أيضا امتحان الثانوية العامة والذي نعلم جميعاً الخلل فيه ولكن لا يتقدم أحد ليحمل لواء التغيير المرغوب حتى الآن!!!
تابعنا قبل أسابيع حركة المعلمين ومعاداتهم لوزير التربية ومطالبهم في تحسين أوضاعهم. ولا شك أن وضع المعلم ليس هو الوضع المناسب. فالمعلم هو شخص أكاديمي وليس ( صنايعي ) ، قضى سنوات عمره وهو يتابع دروسه ومحاضراته في كليته أو جامعته.. ومن الصعب عليه أن يقوم بعمل أي مهنة يدوية، وإجباره على البحث عن مهنة أخرى من أجل زيادة مدخوله لا بد وأن يكون له أثر سلبي على عطائه للطالب في المدرسة إن كان من الناحية النفسية أو الجسدية... ولا بد من إيجاد معادلة رواتب في كادر ديوان الخدمة المدنية تستطيع زيادة رواتب المعلمين بشكل عام من جهة وزيادة رواتب التخصصات التعليمية النادرة من جهة ثانية. ولا بد من دفع المعلمين إلى زيادة تحصيلهم بشكل فعلي وإرسالهم إلى معاهد متخصصة فعلاً وليس شكلاً وليس لمن لهم \"واسطات\" فقط ، لزيادة قدراتهم التربوية والتعليمية مما يؤدي أيضاً إلى رفع رواتبهم أكثر. وهذا يستتبع أن المعلم النشيط الذي سيعمل على تطوير ذاته سيعمل في نفس الوقت على زيادة مدخوله...
أما العملية التعليمية المتدنية والتي لا بد وأن تتطور إذا وجدت معلماً كفؤا وإداريا ناجحاً (لا يتم تعيينه بالواسطة) تحتاج أيضا إلى قوانين صارمة تمنع التعدي من أي طرف على أي طرف آخر. فكما أن المعلم لا يستطيع معاقبة التلميذ بالضرب فلا بد من إيجاد وسائل لمعاقبة التلميذ إذا أساء سلوكه في مدرسته أو لم يلتزم بالقواعد التربوية التي تسنها وزارة التربية والتعليم.
ولا بد أخيرا من التنويه أن امتحان الثانوية، ومع أنه عُقدت من أجله الكثير من الندوات والاجتماعات والمؤتمرات، فلا بد من قيام المجتمع المدني بدوره من أجل تغيير نظام الثانوية العامة وجعله مرحلة تمهيدية قبل دخول الجامعة. وهذا يستتبع تدريس الطلبة لمواد معينة يختارها الطالب من أجل المرحلة القادمة. ولا أظن أن الطالب الذي سيدرس المهن الطبية سيكون بحاجة في السنة الدراسية الأخيرة لدراسة الدين أو الشعر الجاهلي أو تاريخ العصور الوسطى في اوروبا.. وعليه دراسة مواد علمية فقط تبين مدى أهليته وأحقيته في متابعة حقول التعليم الطبية. وكذلك إذا رغب الطالب في دراسات دينية فهو ليس في حاجة إلى مناهج الرياضيات وعلوم الأرض وهكذا... فنظام الدوائر المعمول به في معظم بلاد العالم ومنذ عشرات السنوات لا بد وأن يكون ممكن التطبيق في بلادنا..
لا أظن أن المطلوب هو قرض الشعر في المعلم والتعليم. ولكن المطلوب هو الدعوة وبشدة إلى إعادة دراسة العملية التربوية مع إشراك المجتمع المدني في ذلك ، لأنه من الواضح أننا نفتقر حتى الآن ومنذ سنوات عديدة إلى وزير تربية ينظر إلى وزارته بنظرة أبعد من مساحة الكرسي الذي يجلس عليه متدفأ بين أطرافه، حريصاً على البقاء بين جنباته، متخوفاً من أي خبر عن أي تعديل وزاري قادم....
د . معن سعيد