الاسلام السياسي وفن اجادة القفز على الحبال
فيديو الغنوشي والنظام السياسي .. «المزدوج»!
زاد الاردن الاخباري -
حدثان مهمّان ميّزا المشهد التونسي المحتقن والمتمثل في تصاعد المواجهات والاحتجاجات الشعبية, التي تطال في معظمها حزب حركة النهضة الاسلامية التي يقودها راشد الغنوشي, بعد أن وجدت قطاعات واسعة أن الحركة تواصل مساعيها لبسط هيمنتها على ما تبقّى من مفاصل الدولة, في وقت ترتفع فيه نسب الفقر والبطالة على نحو اصاب الشبيبة التونسية بالخيبة, ناهيك عن تداعيات اغتصاب عنصرين من الشرطة لفتاة كادت تتحول (الفتاة) الى ضحية مرة ثانية عندما تم تلفيق تهمة التعري وارتكاب الفحشاء لها, الى أن استدرك الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي الأمر وقدّم اعتذاراً للفتاة باسم الدولة التونسية مع توجيه لائحة اتهام للشرطيين..
الحدث الطازج هو اتفاق الاحزاب الثلاثة الحاكمة (وإن اختلفت الاوزان والحجوم والادوار وخصوصاً لصالح حركة النهضة), على موعد لاجراء انتخابات عامة, تشريعية ورئاسية (23 حزيران المقبل) لكن الأهم هو الاتفاق على طبيعة نظام سياسي «مزدوج» يُنتخَب فيه رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب, بعد أن كان مجلس النواب هو صاحب القرار في افراز رئيس الجمهورية وهو منصب بات (بعد الثورة) مجرد منصب شرفي بلا صلاحيات, على النحو الذي رأيناه عندما أصرّ حامد الجبالي رئيس الوزراء عن حركة النهضة والمتمتع بصلاحيات واسعة, على تسليم البغدادي المحمودي للسلطات الليبية رغم معارضة رئيس الجمهورية حيث قال (الجبالي): إن موافقة الرئيس غير مهمة!!
يستبطن هذا الاتفاق «رسالة» استوعبتها حركة النهضة التي كانت تصر في البداية كما قبل اسبوع واحد فقط, على أن يكون النظام «برلمانياً صرفاً», أي أنها تريد أن تضمن لنفسها تحديد قواعد اللعبة التي تريد لأنها مطمئنة الى حصولها على الاغلبية البرلمانية, نظراً لما تتمتع (أو كانت تتمتع) به من تأييد في القواعد الشعبية التي منحتها اغلبية مريحة في اول انتخابات حرة تجري في تونس بعد الثورة, لكن مياهاً كثيرة تدفقت تحت «الجسور» التونسية ما اسهم في تراجع منسوب «الثقة» بين الترويكا الحاكمة (النهضة، والمؤتمر من اجل الجمهورية وهو حزب المنصف المرزوقي، والتكتل الديمقراطي الذي يرأسه رئيس البرلمان مصطفى بن جعفر).. ما أسهم في تباعد مواقفهم وخصوصا بعد ان أبدت حركة النهضة الكثير من الانانية والفردية في اتخاذ المواقف وفي لجوئها الى اساليب ومقاربات محمولة على رسائل تقول اننا حزب الاغلبية ولنا كامل الحرية في اتخاذ ما نريد من قرارات!!
ماذا عن الشريط؟
ربما يكون تسريب الشريط هو الهدية «الاكبر» التي حصل عليها التونسيون منذ سقوط نظام بن علي, حيث ظهرت حركة النهضة وخصوصا زعيمها راشد الغنوشي «عاريا» حتى من ورقة التوت, بعد ان كشفت اقواله حجم وطبيعة «التقية» السياسية والحزبية التي يمارسها في الضد من حلفائه في الترويكا الحاكمة وضد الشعب التونسي في الاساس, عندما قام (بالصوت وبالصورة) في اجتماع له مع قيادات سلفية تونسية بمهاجمة العلمانيين ومطالبة السلفيين بالتريث ومراكمة الارصدة التي حصلوا عليها ثم البناء عليها من اجل «مكاسب اكبر»، واصفا مؤسستي الامن والجيش بأنهما «غير مضمونتين»!!
لم يبق احد في تونس الا وهاجمه الغنوشي, سوى حركته وتشكيلات السلفيين التي تزايد عليه, من هنا جاءت «نعمة» تسريب الشريط حيث بدأ الغضب الشعبي بالتصاعد وظهر هناك من ينادي بحلّ حركة النهضة قانونياً لانها تتآمر على «مدنية الدولة» بل اعلن محام تونسي انه اقام دعوى قضائية ضد راشد الغنوشي شخصيا بتهمة التآمر على امن الدولة الداخلي, حيث ان ما ورد في شريط الفيديو «يهدد الانتقال الديمقراطي في البلاد ومدنية الدولة والسلم والامن الاجتماعيين» على ما اعلن المحامي التونسي علي فرحات في دعواه.
ما كشفه شريط الغنوشي ليس جديدا على حركات الاسلام السياسي بل ان ما تقوم به حركة الاخوان المسلمين في مصر يكاد يقترب ان لم يتطابق او يزيد على ما ذهب اليه الغنوشي, لان حركات كهذه لا تؤمن الا بمبدأ الغلبة ولا تعرف مبادئ المشاركة او الشراكة, وان عرفتها فإنما مرحليا وتكتيكيا حتى تتمكن .. وما كان للاتفاق على نظام سياسي مزدوج (برلماني ورئاسي) ان يتم, لولا ما خلّفه شريط الغنوشي من تداعيات واحراج اضطر حركة النهضة... للتراجع.
محمد خروب
الراي الاردنية