زاد الاردن الاخباري -
اختفاء رئيس الفريق الاقتصادي في الحكومة الاردنية الدكتور رجائي المعشر عن الانظار نسبيا واعتزاله الاضواء خلال الايام العشرة الماضية بعد سلسلة من النشاطات الاعلامية والسياسية له ما يبرره في واقع الحال، فالحكومة تقترب من اللحظة الصعبة التي يتهرب منها الوزراء بالعادة والتي تتضمن المصارحة والمكاشفة واتخاذ اجراءات لا يحبها الشارع.
وهذه الاجراءات الاقتصادية الوشيكة لا تحظى بطبيعة الحال بالشعبية لكن الحكومة الحالية انشغلت طوال الاشهر الاربعة الماضية في محاولة برمجة سلسلة من اجراءات التقشف والاستعداد اجتماعيا وسياسيا وحتى امنيا لجرعة قرارات اقتصادية شخصت مؤسسة القرار بانها ضرورية وان كانت مؤلمة.
ومن الواضح ان المطبخ الاقتصادي برئاسة الوزير المعشر انشغل ليلا نهارا طوال الأسابيع الماضية بحزمة نظريات وسيناريوهات تحت عنوان التخفيف عن المواطن الأردني وتحديدا صاحب الدخل المحدود قدر الامكان، مع ضمانات بأن لا تلجأ الحكومة لخيارات قاسية جدا من طراز رفع الاسعار الا بعد استنفاد كل الخيارات البديلة وهي عبارة استخدمها المعشر عدة مرات كما استخدمها رئيسه سمير الرفاعي.
ولا يخفي المسؤولون في الجانب الحكومي مشاعر وتعبيرات القلق من تداعيات الأزمة المالية لكن بالرغم من ارتفاع منسوب القلق الشعبي والاجتماعي تسود اجواء من الثقة بالنفس والقدرة على تجاوز محنة ذات طابع مالي هذه المرة داخل اروقة القرار المرجعي مع محاولات مضنية وفي كل الاتجاهات للاعتماد على الذات اكثر وتوفير بدائل.
ويلمس المراقبون والمستمعون لتعليقات كبار المسئولين في اروقة القرار احساسا ً بالمرارة من ضعف المساندة المالية والاقتصادية العربية بعد تزايد العجز في موازنة الدولة للعام الاخير، لكن هذا الشعور بالمرارة قررت عمان ان لا تستسلم امامه مطلقا فتنشطت خلايا التفكير وبشكل علني احيانا للبحث في الاحتياطات والبدائل دون ان يزول الاحساس بالتحدي واحيانا بناء استراتيجيات على اساس دقة الموقف وحراجته وبصورة اقل خطورته.
في هذا الاتجاه تردد مؤخرا ان جولة رئيس الوزراء سمير الرفاعي في بعض دول الخليج الغنية انتهت بقدر من التوفيق في اطار السعي لدعم قوة الدينار الاردني فنخب السياسة والاقتصاد تتبادل المعلومات عن وديعة مالية خليجية يعتقد انها سعودية ارسلت مؤخرا بقيمة نصف مليار دولار، فيما لم يكشف بعد النقاب رسميا عن هوية هذه الوديعة أو ما اذا كانت في اطار المساعدة المباشرة.
ويبدو ان جولة الرفاعي المشار اليها حققت بعض الاختراقات على صعيد الوعود دون ان توفر بنفس الوقت اجابة شافية على السؤال المعلق اردنيا حول خلفيات واسرار التجاهل الامريكي ولاحقا العربي للأزمة المتفاعلة التي تعيشها البلاد، بعد ان اطل صندوق النقد الدولي بوصفاته القاسية جدا مجددا على النافذة الاردنية دون ان يرحب به احد مقترحا اجراءات لا تحبذها الحكومات بالعادة تحت عنوان تقليص النفقات وزيادة الواردات.
وما يتسرب من اروقة الحكومة يشير الى ان الوقت قد يحين قريبا ليس فقط لوقف التعيينات في الجهاز البيروقراطي المتضخم ولا على صعيد تفعيل تصعيد تحقيقات الفساد ومواجهته، ولكن ايضا على صعيد الاستعداد لرفع ضريبة المبيعات وبالتالي تقليص الدعم عن الاساسيات مع التفكير بفرض ضريبة جديدة على البنزين والمحروقات.
وهذا الخيار يعني ببساطة ارتفاع كلفة المعيشة والحياة مجددا وتزايد اسعار كل شيء في البلاد دون زيادة الدخول والرواتب، الامر الذي سيتسبب على الارجح بتعقيدات اجتماعية وتعبيرات موسمية عن هذه التعقيدات وهي مسألة يبدو انها اخذت بالاعتبار فيما كانت الحكومة تجهز لاستراتيجية الخلاص الوطني من الأزمة المالية والخروج بأقل حد ممكن من الخسائر.
القدس العربي